توبة المحجوب عن الزنا ، فإن صورة الزنا مما لا تتصور منه ، فكان يجب أن تستحيل التوبة عنه ، وفي علمنا بصحة توبته عن الزنا وغيره دليل على أن ذلك مما لا يصح ، وعلى أن في الواجبات ما هو بصورة القبيح ، فكيف يصح هذا الذي ذكرتموه.
واعلم أن من أراد التوبة فإما أن تتميز له الصغائر من الكبائر أو لا تتميز ، فإن تميز له الصغيرة من الكبيرة لم يلزمه التوبة عنها إلا سمعا على ما سبق القول فيه ، وهؤلاء الذين تتميز لهم الصغائر من الكبائر إنما هم الأنبياء دون سواهم ، وإن لم تتميز له الصغيرة من الكبيرة تلزمه التوبة من كل معصية أتى بها لتجويز أن يكون كبيرا.
واعلم أن من اعتقد في بعض الكبائر أنها حسنة وتاب عن غيرها فإن توبته عنها تصح ، غير أنها تقع محبطة في جنب هذا الاعتقاد ، وذلك كتوبة الخارجي عن الزنا وشرب الخمر مع اعتقاده حسن القتل.
وقريب من هذه الجملة الكلام في ، هل تصح التوبة عن بعض الكبائر مع الإصرار على البعض أو لا تصح ، والذي عليه شيخنا أبو علي أنه تصح ما لم يصرّ على شيء من ذلك الجنس ، فلو أنه تاب من شرب الخمر وأصر على الزنا كانت توبته عن الأول توبة نصوحا صحيحة ، فأما إذا أصر على شيء من ذلك الجنس لم تصح توبته ، وذلك لأنه لو تاب عن شرب هذا القدح من الخمر مع إصراره على شرب قدح آخر فلا إشكال في أن لا تصح توبته هذه.
وأما شيخنا أبو هاشم ، فقد ذهب إلى أنه لا تصح التوبة عن بعض القبائح مع الإصرار على البعض وهو الصحيح من المذهب. والذي يدل على صحته أن التوبة عن القبيح يجب أن تكون ندما عليه لقبحه وعزما على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح على ما تقدم ، وإذا كان هذا هكذا فليس تصح توبته عن بعض القبائح مع الإصرار على البعض ، إذ لا يصح أن يترك أحدنا بعض الأفعال لوجه ، ثم لا يترك ما سواه في ذلك الوجه ، ألا ترى أنه لا يصح أن يتجنب سلوك طريق لأن فيها سبعا ، ثم لا يتجنب سلوك طريقة أخرى فيها سبع ، وكذلك لا يصح أن لا يتناول طعاما لأن فيه سما ، ثم يتناول طعاما آخر مع أن فيه سما.
فإن قيل : أليس أن أحدنا يفعل فعلا لوجه ثم لا يجب أن يفعل كل ما ساواه في ذلك الوجه ، فهلا جاز مثله في الترك؟
قلنا : إن لكل واحد منهما حكما مقررا في العقل وموضعا يخصه فيجب أن يفرد