وليست هذه هي الحالة الوحيدة التي لم يدركها الإنسان ، بل توجد الكثير من العوامل الخفية التي لها تأثيرها في حياة الإنسان ولم يتوصل إليها الإنسان ذلك المغرور بعقله وعلمه الناقص.
إذن هذا الحديث الشريف ونظائره في الروايات الكثيرة تكشف لنا انّ الحياة الاجتماعية هي حياة قائمة على أساس علاقات عضوية (١) بحيث تتأثّر المجاميع فيما بينها فعلاً وانفعالاً ، وإن كان بعضها متنفّراً ومتبرّماً من البعض الآخر.
٢. إنّ الإسلام يؤكّد من جهة على تزكية النفس وتهذيب الأخلاق والحثّ على العبادات والطاعات الفردية والدعاء والتوسّل ويؤكد دائماً على حرية الإنسان وانتخابه واستقلاليته حيث يقول سبحانه :
(... لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...). (٢)
ولا يسمح للإنسان الفرد أن يتدرّج ـ لتبرير انحرافه ـ بانحراف المجتمع وفساده وانّه تابع للمجتمع وخاضع له ، ولا يسمح للإنسان أن يغفل عن تطهير نفسه وتزكيتها تحت هذه الذريعة.
إنّه سبحانه يخاطب يوم القيامة الناس الذين وقع عليهم الظلم والعدوان واستضعفوا في الأرض وتلوّثوا بقذارات المجتمع الظالم وعيوبه ، بقوله سبحانه :
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً
__________________
(١). إنّ العلاقات العضوية تقابل العلاقات الميكانيكية ، ففي النحو الأوّل من العلاقات يكون للمجتمع روح واحدة تحكمه وتهيمن عليه ، ولكن في العلاقات الميكانيكية يفتقد المجتمع هذا النوع من العلاقة والرابطة وتكون العلاقة فيه مجرّد علاقة آلية لا غير.
(٢). المائدة : ١٠٥.