الذي تأباه النفوس الآبية والرجال الأحرار.
ثانياً : الدليل الآخر على تجاوز العدو وتماديه في غيّه ، هو انّهم إنّما واجهوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بسبب إيمان المسلمين واعتقادهم بالله الواحد القهار ، وكأنّ الاعتقاد بالله ـ بنظر هؤلاء المشركين ـ يُعدّ جرماً وذنباً كبيراً لا يحق لمعتقده أن يعيش بين أوساط المشركين بل يجب عليه أن يترك وطنه وداره ويفارق الأهل والأحبّة ، وإلّا فسيواجه القتل والإبادة.
ثالثاً : أنّه يجب على المؤمنين بالله واليوم الآخر أن يطهّروا الأرض من لوث المشركين وفسادهم ، وإلّا تكون عاقبة الأمر ما أشارت إليه الآية المباركة :
(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).
رابعاً : إنّ الله تعالى إنّما وعد المجاهدين بالنصر والغلبة ، وإنّ عاقبة الأُمور ستكون من نصيبهم ، بسبب أنّهم إذا امتلكوا مقاليد الأُمور وأسباب النصر من العدّة والعدد وأصبح زمام الأُمور بأيديهم ، فإنّهم حينئذٍ يستغلّون هذه القدرات والإمكانات المادية في سبيل الله وتعبيد الطريق أمام الناس للتوجّه إلى التوحيد ونشر القيم والمعارف الحقّة ، لا استخدامها في القتل وسفك الدماء وإشاعة الفحشاء والظلم والمنكر في المجتمع ، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة حيث قال سبحانه :
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).
لقد سلّطت هذه الباقة العطرة من الآيات المباركة الضوء على جانب من جوانب ذلك التشريع الإلهي ، وبيّنت الأهداف السامية والقيم العليا التي يتوخّاها