(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (١)
إنّ الإمعان في هذه الأبعاد السلبية للإنسان أو حسب المصطلح صفات الشر ، يثبت وبجلاء انّ هذه الصفات جميعاً لم تخلق مع الإنسان منذ نشأته الأُولى ، أي أنّها لم تكن من الأُمور الملازمة لخلق الإنسان وطبيعته ، بل انّ هذا الشر أو هذه الصفات السلبية في الواقع وليدة طغيان بعض الغرائز الضرورية للإنسان ، وبسبب غياب القيادة الصحيحة التي تتحكّم بتلك الغرائز والميول وصلت الحالة في الإنسان إلى ما وصل إليه من هذه الصفات.
فعلى سبيل المثال «الحرص والطمع» في الإنسان وليد طبيعي لحالة طغيان غريزة «حب الذات والأنانية» وغياب عامل الموازنة والتعديل الذي يمكنه أن يهذب هذه الغرائز الجامحة.
وكذلك صفة «الجدل والمجادلة» فإنّها إحدى فروع غريزة «حب الاستطلاع» ، فإنّ هذه الغريزة أوجدت في الإنسان لتأخذ بيده إلى معرفة الحقائق وكشف الأسرار والوصول إلى الكمال العلمي ولكنّها وللأسف تتحوّل في بعض الحالات إلى حالة من الجدل والعناد بسبب مجموعة من الأغراض والأهداف غير الصحيحة بحيث تخلق من الإنسان موجوداً معانداً جدلاً ، وهكذا الكلام في سائر الصفات السلبية.
والشاهد على عدم ملازمة تلك الصفات السلبية لخلق الإنسان ابتداءً وانّها في الواقع وليدة طغيان الغرائز الإنسانية ، هو انّ القرآن الكريم حينما يتعرض لذكر تلك الأبعاد السلبية في شخصية الإنسان ، يرفقها وعلى الفور باستثناء
__________________
(١). المعارج : ١٩ ـ ٢١.