الخلق منقسم الى أمر تكوينيّ صنعيّ ايجاديّ وأمر تدوينيّ حكميّ تشريعيّ ، والقيّوم الواجب بالذّات عزّ سلطانه بنفس مرتبة ذاته الأحدية فى ابداع النظام الجملي ، وكذا في ابداع أفضل أجزاء النظام في سلسلة البدء ـ وهو المجعول الأوّل ـ فاعل تامّ وغاية قريبة ؛ وفي افاضة ساير أجزاء عالم الأمر ، وجملة عالم الخلق وعامّة [الف ـ ٤٦] ذرّات نظام الوجود ، صانع جوهر الذات وغاية غايات الصنع والايجاد. وكما نفس ذاته الحقّة في الأمر التكويني الايجاديّ منتهى الغايات ومصير الأغراض فكذلك في الأمر التدوينيّ التشريعي غاية الغايات المتسلسلة وغرض الأغراض المترتبة ، بحت ذاته القيّوميّة القدوسيّة.
فمن هذا السبيل أيضا ذاته الحقّة أوّل وآخر مبدأ ومعاد لنظام الوجود ولذرّات أجزاء النظام جميعا و (أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (١) وهذا أحد وجوه أوليّته وآخريته ومبدأيّته ومعاديّته جلّ جناب مهيمنيّته وأحديّته.
فأوّل تنزّلات وحدته الحقّة الّتي هي عين مرتبة ذاته القيّوميّة مرتبة الجاعليّة الحقيقيّة (٢) التي وحدتها وحدة عدديّة هي ظلّ ذات الوحدة الحقّة ومستتبعة الوحدة العدديّة للانسان الكبير الذي هو النظام الجملي المتّسق الشخصي الواحد بالعدد ولا شرف أعضائه والصادر الأوّل من أجزائه في السلسلة البدويّة ، ولذلك ما جعل اسم هذه المرتبة تالى اسم الذات في قوله عزّ قائلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).
ثمّ ليعلم أنّ المخاطب (٤) بقول «كن» والمأمور بأمر الصدور نفس جوهر الماهية
__________________
(١) النجم ، ٤٢.
(٢) انّ الجاعلية الحقيقية التي منزلتها من حضرة الأحدية تعالى ، منزلة الظل ؛ وهي النور المحمدي الساري في السماوات والأرضين ، لا ينبغى أن يكون واحدا بالوحدة العددية التي لها شأن في جنسه ، بل يجب أن يكون واحدا بالوحدة الحقّة الظلّية الحاكية الكاشفة عن الوحدة ، والوحدانية الحقة الحقيقية التي هي عين ذاته الأحدية الأقدس كيف لا وهي توحيده سبحانه نفسه! كما قال سبحانه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران / ١٨] وكونها توحيدا بهذا الوجه لا يتصوّر الّا بكونه واحدا حقّا ظليا فافهم! (نورى).
(٣) الحمد ، ٢.
(٤) في النبوي كما روى «خلق الله الخلق في ظلمة ثمّ رشّ عليهم من نوره.» وله وجوه من التأويلات ، فمنها ما أشرنا إليه في تصحيح أمر الخطاب قبل وجود الأشياء ، فافهم ان كنت أهلا للاشارة! (نورى).