غدائره مستشزراتٌ إلى العلا |
|
تضل العقاص في مُثنَّى ومرسل (١) |
ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم ، والحس الصادق الناجمين عن النظر في كلام البلغاء وممارسة أساليبهم (٢).
واما غرابة الاستعمال ، فهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء ، لان المعول عليه في ذلك استعمالهم.
_________________
(١) «الغدائر» الضفائر ، والضمير يرجع إلى (فرع) في البيت قبله (والاستشراز) الارتفاع (والعقاص) جمع عقيصة وهي الخصلة من الشعر (والثنى) الشعر المفتول (والمرسل) ضده أي ابنة عمه لكثرة شعرها بعضه مرفوع ، وبعضه مثنى ، وبعضه مرسل ، وبعضه معقوص : أي ملوي.
(٢) الألفاظ تنقسم إلى ثلاثة أقسام قسمان حسنان ، وقسم قبيح ، فالقسمان الحسنان : أحدهما ما تداول استعماله السلف والخلف من الزمن القديم إلى زماننا هذا ولا يطلق عليه أنه وحشي ، والآخر ما تداول استعماله السلف دون الخلف ، ويختلف في استعماله بالنسبة إلى الزمن واهله وهذا هو الذي يعاب استعماله عند العرب لأنه لم يكن عندهم وحشيا وهو عندنا وحشي.
ولا يسبق وهمك إلى قول قصراء النظر بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا فهذا دليل على أنه حسن ، بل ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا ، هو الذي كان عند العرب مستحسناً ، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحا والاستعمال ليس بدليل على الحسن ، فاننا نحن نستعمل الأن من الكلام ما ليس بحسن ، وإنما نستعمله لضرورة ، فليس استعمال الحسن بممكن في كل الأحوال واعلم أن استحسان الألفاظ واستقباحها لا يؤخذ بالتقليد من العرب لانه شيء ليس للتقليد فيه مجال ، وإنما هو شيء له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه ألا ترى أن لفظة (المزنة) مثلا حسنة عند الناس كافة من العرب وغيرهم ، فاذا استعملتها العرب لا يكون استعمالهم إياها مخرجا لها عن القبح ، ولا يلتفت إذن إلى استعمالهم إياها بل يعاب مستعملها ويغلظ له النكير حيث استعملها فلا تظن ان الوحشي من الألفاظ ما يكرهه سمعك ويثقل عليك النطق به وانما هو الغريب الذي يقل استعماله ، فتارة يخف على سمعك ولا تجد به كراهة ، وتارة يثقل على سمعك وتجد منه الكراهة ، وذلك في اللفط عيبان كونه غريب الاستعمال وكونه ثقيلا على السمع كريها على الذوق. وليس وراءه في القبح درجة أخرى ، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفن أصلا. انتهى عن المثل السائر بتصرف.