والغرابة قسمان :
القسم الاول : ما يوجب حيرة السامع في فهم المعنى المقصود من الكلمة : لترددها بين معنيين أو أكثر بلا قرينة.
وذلك في الألفاظ المشتركة «كمسّرج» من قول رؤبة بن العجاج :
ومسقلةً وحاجباً مزججا |
|
وفاحماً ومرسنا مسرّجا (١) |
فلا يعلم ما أراد بقوله «مسرَّجا» حتى اختلف أئمة اللغة في تخريجة.
فقال «ابن دريد» يريد ان انفه في الاستواء والدقة كالسيف السّريجي. وقال «ابن سيده» يريد انه في البريق واللمعان كالسراج (٢). فلهذا يحتار السامع في فهم المعنى المقصود لتردد الكلمة بين معنيين بدون «قرينة» تعين المقصود منهما. فلأجل هذا التردد ، ولأجل أن مادة (فعل) تدل على مجرد نسبة شيء لشيء ، لا على النسبة التشبيهية : كانت الكلمة غير ظاهرة الدلالة على المعنى. فصارت غريبة.
وأما مع القرينة فلا غرابة كلفظة «عزَّر» في قوله تعالى : (فالذين امنوا وعزروه ونصروه) فانها مشتركة بين التعظيم والإهانة. ولكن ذكر النصر قرينة على ارادة التعظيم.
_________________
(١) «مزججا» مدققا مطولا (فاحما) شعرا اسود كالفحمة (مرسنا) بكسر الميم وفتح السين كمنبر او بفتح الميم وكسر السين كمجلس ومعناه انفاذا لمعان كالسراج أو ذا صقالة واحد يداب كالسيف السريجي أي المنسوب إلى سريج وهو قين حداد تنسب إليه السيوف في الدقة والاستواء.
(٢) أي ولفظة مسرج غير ظاهر الدلالة على ما ذكر ، لأن فعل إنما يدل على مجرد النسبة ، وهي لا تدل على التشبيه ، فاخذه منها بعيد لهذا أدخل الحيرة على السامع في فهم المعنى المقصود من الكلمة لترددها معنين أو أكثر بلاقرينة ، ومثله قول الشاعر :
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم |
|
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل |
فلا يعلم ماذا أراد الشاعر بقوله فعلت ما لم أفعل ، أكان يبكي إذ رحلوا ، أم كان يهيم على وجه من الغم الذي لحقه ، أم يتبعهم إذا ساروا ، أم يمنهم من المغي على غزمة الرحيل.