فانه لم يكتف بتمثيل الليل ، بصورة شخص طويل القامة ، بل استوفى له جملة أركان الشخص ، فاستعار له صلباً يتمطى به ، إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله تمطيه ، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازاً يردف بعضها بعضاً ، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره ، فاستعار له كلكلاّ ينوء به (أي يثقل به) ولا يخفى عليك ما يتركه هذا التفصيل البديع في قلب سامعه من الأثر العظيم ، والارتياح الجميل.
ومنهم : من لا يكتفى بالصورة يرسمها ، بل ينظر إلى ما يترتب على الشيء ، فيعقّب تلك الصورة بأخرى أشد وأوقع ، كقول أبي الطيب المتنبيء :
رماني الدهر بالأرزاء حتى |
|
فؤادي في غشاء من نبال (١) |
فصرت إذا أصابتني سهام |
|
تكسرت النصال على النصال (٢) |
فانه لم يكتف بتصويره المصائب سهاماً في سرعة انصيابها ، وشدة إيلامها ، ولا بالمبالغة في وصف كثرتها ، بأن جعل منها غشاء محيطاً بفؤاده ، حتى جعل ذلك الغشاء من المتانة والكثافة ، بحيث إنَّ تلك النصال مع استمرار انصيابها عليهن لا تجد منفذاً إلى فؤاده ، لأنها تتكسر على النّصال التي سبقتها فانظر إلى هذا التمثيل الرائع ، وقل لي : هل رايت تصوير أشد منه لتراكم المصائب والآلام؟
تعريف الاستعارة وبيان انواعها
الاستعارة لغة : من قولهم ، استعار المال : إذا طلبه عارية. واصطلاحاً : هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة (المشابهة) بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه ، مع (قرينة) صارفة عن إرادة المعنى الأصلي.
__________________
(١) الأرزاء المصائب ، والغشاء الغلاف ، والنبال السهام.
(٢) النصال حدائد السهام.