ومذهب الخطيب القزويني أنّ المكنية هي التشبيه المضمر في النفس ، المرموز إليه باثبات لازم المشبه به للمشبه ، وهذا الاثبات هو الاستعارة التخييلية (١).
ومذهب السكاكي أن المكنية لفظ المشبه ، مراداً به المشبه به (٢) ، فالمراد بالمنية في قوله : «وإذا المنية ُ انشبت أظفارها» هو السبع بادعاء السبعية لها ، وإنكار أن تكون شيئاً غير السبع ، بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواص السبع إليها ، والتخييلية عنده ما لا تحقق لمعناه لا حسّا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محضه : كالأظفار في ذلك المثال فانه لما شبه المنية ، بالسبع في الاغتيال ، أخذ الوهم يصورها بصورته ، ويخترع لها لوازمه ، فاخترع لها صورة كصورة الأظفار ، ثم أطلق عليها لفظ الأظفار فيكون لفظ الأظفار استعارة تصريحية تخييلية.
أمّا أنها تصريحية : فلأنه صُرّح فيها بلفظ المشبه به ، وهو اللازم الذي أطلق على صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة.
وأما أنها تخييلية فلأن المستعار له غير محقق لا حساً ولا عقلا والقرينة على نقل الأظفار
__________________
(١) من هذا التعريف نفهم أولا : أن القزويني يخالف السلف في تعريف المكنية ويتفق معهم في قرينتها ، ونفهم ثانيا أن المكنية والتخييلية عند القزويني فعلان من أفعال النفس هما التشبيه والاثبات ، فليسا من المجاز اللغوي ، لأنه من عوارض الألفاظ وتكون التخييلية عند القزويني والقوم مجازاً عقليا لما فيها من اثبات الشيء لغير ما هو له ، وإنما سموها استعارة لما فيها من نقل اللازم من ملائمه الأصلي ، وهو المشبه به إلى المشبه ، وسموها تخييلية لأن اللازم لما نقل من المشبه به إلى المشبه صار السامع يخيل إليه أن المشبه من جنس المشبه به ، ونفهم ثالثاً أن لفظ اللازم في المكنية حقيقة عند القزويني.
(٢) تقرير الاستعارة على مذهب السكاكي أن يقال : شبهنا المنية التي هي الموت المجرد عن ادعاء السبعية ، بالسبع الحقيقي ، وادعينا أنها فرد من أفراده ، وأن للسبع فردين فردا متعارفا وهو الحيوان المفترس ، وفردا غير متعارف وهو الموت الذي ادعيت له السبعية ، واستعير اسم المشبه وهو المنية بمعنى ذلك الفرد غير المتعارف ، أعني الموت الذي ادعيت له السبعية ، فصح بهذا أنه قد أطلق اسم المشبه ، وهو المنية ، وأريد به المشبه به ، وهو السبع.