(٢) والتضمين : هو أن يضمن الشاعر كلامه (شيئاً من مشهور شعر الغير) مع التنبيه عليه (١) إن لم يكن مشهوراً لدى نقّاد الشعر ، وذوي اللُّسن ، وبذلك يزداد شعرهُ حسناً كقوله الصاحب بن عبّاد :
أشكو إليك زماناً ظل يعرُ كني |
|
عرك الأديم ، ومن يعدو على الزمنِ |
وصاحباً كنتُ مغبوطاً بصُحبته |
|
دهراً فغادرني فرداً بلا سكن ِ |
وباع صفو ودادٍ كنت أقصُره |
|
عليه مُجتهداً في السِّر والعلَن |
كأنه كان مطويّا على إحن |
|
ولم يكن في قديم الدهر أنشَدني |
(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا |
|
من كان يألفهم في المنزل الخشن) |
__________________
(١) أما تضمينه بلا : تنبيه عليه لشهرته : فكقوله :
أولى البرية طرا أن تواسيه |
|
عند السرور الذي واسك في الحزن |
(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا |
|
من كان بألفهم في المنزل الخشن) |
وكقوله :
قد قلت لما اطلعت وجناته |
|
حول الشقيق الغض روضة آس |
أعذاره الساري العجول ترفقا |
|
ما في وقوفك ساعة من باس |
فالمصراع الأخير ، مطلع قصيدة مشهورة لأبي تمام :
ما في وقوفك ساعة من باس |
|
تقضي حقوق الأربع الأدراس |
وأحسن التضمين : أن يزيد المضمن في كلامه نكتة لا توجد في الأصل كالتورية والتشبيه ، كما في قول ابن أبي الاصبع : مضمنا
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها |
|
«تذكرت ما بين العذيب وبارق» |
ويذكرني من قدها ومدامعي |
|
«مجرى عوالينا ومجرى السوابق» |
فالمصرعان الاخيران مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي :
تذكرت ما بين العذيب وبارق |
|
مجرى عوالينا ومجرى السوابق |
يريد المتنبي : أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين ، يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان ، ويسابقون على الخيل ، أما الشاعر الآخر : فاراد بالعذيب تصغير العذب وعني به شفة الحبيبة ، وأراد ببارق ثغرها الشبيه بالبرق ، وبما بينهما ريقها ، وهذه تورية بديعة نادرة في بابها ، وشبه تبختر قدها بتمايل الرماح ، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق.