الصلاة ، وهو لا يصلي «الصلاة واجبة» توبيخاً له على عدم عمله بمقتضى علمه وكقولك لمن يؤذي أباه : هذا أبوك.
(٢) ومنها : تنزيل خالي الذهن منزلة السائل المتردد ، إذا تقدم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر كقوله تعالى : (وما ابرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) فمدخول إن مؤكد لمضمون ما تقدمه ، لإشعاره بالتردد ، فيما تضمنه مدخولها ـ وكقوله تعالى ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون لما أمر المولى «نوحاً» أوّلا بصنع الفلك ، ونهاه ثانيا عن مخاطبته بالشفاعة فيهم ، صار مع كونه غير َ سائل في مقام السائل المتردد (١). هل حكم الله عليهم بالاغراق فأجيب بقوله (إنهم مغرقون).
(٣) ومنها : تنزيل غير المنُكر منزلة المنكر : إذا ظهر عليه شيء من أمارات الإنكار ، كقول حَجَل بن نضلَة القيسي من أولاد عَمّ شقيق.
جاء شَقيقٌ عارضاً رُمَحهُ |
|
إنَّ بني عَمك فيهم رماحُ |
فشقيقٌ رَجلٌ لا يُنكر رماحَ بني عمّه ، ولكن مجيئه على صورة المعجب بشجاعته ، واضعاً رُمحَه على فخذيه بالعرض وهو راكب أو حَاملا له عرضاً على كتفه في جهة العدُو بدون اكتراثه به ، بمنزلة انكاره أنَّ لبني عمّه رماحا ، ولن يجد منهم مُقاوماً له كأنهم كلهم في نظره
__________________
(١) أي فصار المقام مظنة للتردد والطلب ، وان لم يتردد المخاطب ، ولم يطلب بالفعل ، وذلك لأنه تكاد نفس الذكي إذا قدم لها ما يشير إلى جنس الخبر أن تتردد في شخص الخبر ، وتطلبه من حيث أنها تعلم أن الجنس لا يوجد إلا في فرد من أفراده فيكون ناظراً إليه بخصوصه كأنه متردد فيه كنظر السائل فقوله ولا تخاطبني يشير إلى جنس الخبر وانه عذاب وقوله إنهم مغرقون يشير إلى خصوص الخبر الذي أشير إليه ضمنا في قوله ولا تخاطبني ، وكقول الشاعر.
ترفق أيها المولى عليهم |
|
فأن الرفق بالجاني عتاب |
فالأصل : أن يورد الخبر هنا خاليا من التوكيد ، لأن المخاطب خالي الذهن من الحكم ، ولكن لما تقدم في الكلام ما يشعر بنوع الحكم أصبح المخاطب متشوقا لمعرفته فنزل منزلة السائل المتردد الطالب ، واستحسن القاء الكلام إليه مؤكدا ، جريا على خلاف مقتضى الظاهر.