عُزلٌ ، ليس مع أحد منهم رمحٌ. فأكَد له الكلامُ استهزاء به ، وخُوطبَ خطاب التفات بعد غيبةٍ تهكما به ، ورمياً له بالنزق وخرق الرَّأي.
(٤) ومنها تنزيل المتردد منزلة الخالي ، كقولك للمُتردد في قدوم مسافر مع شهرته قدم الأمير.
(٥) ومنها تنزيل المتُردد (١) منزلة المنكر ، كقولك للسائل المستبعد لحصول الفرج إنَّ الفرج لقريب.
(٦) ومنها تنزيل المنكر منزلة الخالي ، إذا كان لديه دلائل وشواهد لو تأملها لارتدع وزال إنكاره ، كقوله تعالى : (وإلهكم إله واحد) وكقولك لمن ينكر منفعة الطب الطب نافع.
(٧) ومنها تنزيل المنكر منزلة المُتردد ، كقولك لمن ينكر شرف الأدب إنكاراً ضعيفا إن الجاه بالمال : انما يصحبك ما صحبك المال وامَّا الجاه بالأدب فأنه غير زائل عنك.
الثالث : قد يؤكد الخبر لشرف الحكم وتقويته ، مع أنه ليس فيه تردد ولا إنكار ، كقولك في افتتاح كلام إنّ أفضل ما نطق به اللسان كذا (٢).
__________________
(١) وفائدة التنزيل وجوب زيادة التأكيد قوة وضعفا ، لأنه نزل المتردد منزلة المنكر ، فيعطي حكمه حينئذ ، وهكذا تفهم في عكسه وهو تنزيل المنكر منزلة المتردد في استحسان التوكيد له ، واعلم أنه إذا التبس اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر باخراجه على مقتضى الظاهر يحتاج إلى قرينة تعين المقصود أو ترجحه فإن لم توجد قرينة صح حمل الكلام على كل من الأمرين وذلك كجعل السائل كالخالي ، وجعل المتردد كالمنكر ، فإن وجدت قرينة عمل بها ، والا صح الحكم بأحدهما.
(٢) من مزايا اللغة العربية دقة التصرف في التعبير ، واختلاف الأساليب باختلاف المقاصد والأغراض ، فمن العيب الفاضح عند ذوي المعرفة بها (الأطناب) إذا لم تكن هناك حاجة إليه ، «والايجاز والاختصار» حيث تطلب الزيادة ، وقد تخفى دقائق تراكيبها على الخاصة بل العامة ، فقد أشكل أمرها على بعض ذوي الفطنة من نابتة القرن الثالث : إبان زهو اللغة ونضرة شبابها ، يرشدك إلى ذلك ما رواه الثقاة من أن المتفلسف الكندي : ركب إلى أبي العباس المبرد وقال له ، إني لأجد في كلام العرب حشوا ، فقال أبو العباس في أي موضع وجدت.