ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام وقد سأله أحد أصحابه وهو «حسين بن خالد» عن معنى قوله تعالى : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ) ...». (الذاريات / ٧)
فقال الإمام عليهالسلام : «سبحان الله ، أليس اللهُ يقول : «بغير عمدٍ ترونها»؟ قلت : بلى ، فقال : ثَمَّ عمدٌ ولكن لا ترونها» (١).
فهل يوجد توجيه وتفسير لهذا الحديث سوى العمد الذي نطلق عليه في عصرنا هذا إسم «التوازن بين القوة الجاذبية والدافعة».
وتوضيح ذلك ، يكمن في أنّ النظرية الوحيدة التي غزت أفكار علماء ذلك العصر ـ زمان نزول القرآن الكريم ـ ومن ثم القرون السابقة واللاحقة ، هي نظرية «الهيئة» لبطليموس التي سيطرت بقوة تامة على المحافل العلمية الدولية. ووفقاً لذلك صوَّرت السماوات على شكل كرات متداخلة نظير طبقات البصل المتلاصقة وكانت الأرض في مركزها ، ومن الطبيعي أن تستند السماوات كل منها إلى الاخرى.
إلّا أنّه ثبت بطلان هذه العقيدة بالأدلة القطعية بعد مرور زهاء الالف سنة من نزول القرآن ، وذهبت تماماً نظرية الأفلاك ـ قشور البصل ـ إلى غير رجعة ، وأصبح من المسلّمات أنّ كلّاً من هذه الكرات السماوية معلقة وثابتة في مدارها وموضعها ، وأنّ المجاميع والمنظومات متحركة ، والشيء الوحيد الذي يحافظ على ثباتها واستقرارها هو نفس هذا التعادل بين القوة الجاذبة والدافعة.
إنّ الذي يتسبب في التحرك السريع لكل الكرات السماوية ومن ثم اجتماعها في مركز واحد ، هو القوة الجاذبة ـ التي تقول : إنّ الجاذبية بين كل جسمين تتناسب طردياً مع وزنيهما ، وعكسياً مع الجذر التربيعي للمسافة بينهما ـ ، بَيدَ أنّ الحركة الدورية موجودة في الكواكب السيارة أو المنظومات ـ ولا يخفى أنّ الميزة الدورية هي نفس القوة الطاردة المركزية وهي التي تؤدّي إلى الابتعاد السريع لهذه الكرات والمنظومات عن بعضها (على
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٢٧٨. ورد هذا الحديث في التفسير المزبور عن طريقين ، عن تفسير علي بن إبراهيم ، وكذلك عن تفسير العياشي.