هذا التراب كان ممتزجاً مع الماء على هيئة طين.
ونقرأ أيضاً في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّنْ مَّاءٍ). (النور / ٤٥)
وللمفسرين أحاديث مطولة في صدد «الرتق» و «الفتق» الواردين في الآية الثانية واللذيْنِ هما في الأصل بمعنى «الإتصال» و ««الإنفصال».
اختار البعض المعنى المتقدم ، وهو السماء والأرض واللتين كانتا على هيئة كُتل عظيمة من البخار والغاز الُمحترق ، وتجزأت شيئاً فشيئاً على أثر الانفجارات الداخلية وحركتها حول نفسها ، ومن ثم ظهرت الكواكب والنجوم ، من جملتها المنظومة الشمسية.
ويرى البعض الآخر أنّ ذلك إشارة إلى الوحدة النوعية في مواد العالم ، بحيث كانت متداخلة في بداية الأمر حيث ظهرت على هيئة مادة واحدة ، لكنها انفصلت عن بعضها الآخر ، وتشكلت مع مرور الزمان بتركيبات جديدة.
وذهب جمع آخر أيضاً إلى أنّ ذلك إشارة إلى عدم نزول المطر ونمو النباتات من الأرض ، بمعنى أنّ السماء كانت في بداية الأمر متصلة مع بعضها الآخر ، ولم يكن ينزل المطر ، والأرض أيضاً كانت متصلة مع بعضها الآخر ، فلم يكن للنبات وجود فيها ، ثم بأمر من الله تعالى انفجرت السماء ونزل المطر ، وتفتحت الأرض فخرجت النباتات.
وقد أشارت إلى المعنى الأخير روايات متعددة من طريق أهل البيت عليهمالسلام ، وكذلك قسم من الروايات الواردة من طريق العامة (١) ، في حين تضمنت بعض الروايات الاخرى الإشارة إلى المعنى الأول (٢) ، وتبدو الإشارة إلى هذا الاتصال أيضاً في الخطبة الاولى من نهج البلاغة ، وفي كل الاحوال ينسجم ظاهر الآية مع التفسير الأول ، علاوة على عدم وجود مانع من الجمع بين التفاسير المتقدمة ، فمن الممكن الجمع بين كل من المعاني الثلاثة في المفهوم الجامع للآية.
وممّا يسترعي الإنتباه ما ورد في قوله تعالى : (ءَانْتُمْ اشَدُّ خَلْقَاً امِ السَّمَاءُ بَنها ...
__________________
(١) راجع تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٤٢٤ ، الأحاديث ٥٢ ، و ٥٣ ، و ٥٤ ، و ٥٥ ؛ وتفسير در المنثور ، ج ٤ ، ص ٣١٧.
(٢) المصدر السابق.