ويقول تعالى أيضاً : (وَالْقَى فِى الارْضِ رَواسِىَ انْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ). (لقمان / ١٠)
وهناك آيات اخرى بهذا المضمون أو قريبة منها في القرآن الكريم أيضاً.
الأمر الذي نواجهه لأول وهلة في هذه الآيات ، هو تأثير وجود الجبال في الحفاظ على استقرار الأرض ، والتي عبر عنها تارة بـ «الأوْتاد» والتي تستخدم عادة في اقفال أقسام مختلفة من الأبواب والصناديق والسفن وما شابه ذلك ، أو صيانة المخيمات وتقويتها في مقابل هبوب الرياح.
وتارة اخرى عبر عنها بـ «أنْ تَميدَ بِكُم» المأخوذة من مادة «مَيْدان» بمعنى الاهتزاز والاضطراب ، ومعنى ذلك أنّ الجبال تَحُدُّ دون اضطراب الأرض واهتزازها. ولم يطلع أحد على هذا المطلب في ذلك العصر ، ونحن في هذا الوقت نعلم جيداً مدى دور الجبال على هذا الصعيد ، وذلك للنقاط التالية :
أولاً : إنّ الجبال في واقع الأمر هي في قوة أحد الدروع الفولاذية التي تحيط بالأرض من كل جوانبها ، ونظراً لقوة ارتباطها واتصالها باعماق الأرض تشكل بدورها أحد الشبكات القوية الشاملة ، وإذا لم يكن كذلك وكانت الرمال الناعمة تغطي صعيد الأرض ، لوقعت تحت تأثير الجاذبية القوية للقمر بكل سهولة ، ولهزَّ الجزر والمدُّ كل شيء على اليابسة نظير المد والجزر في البحار ، واستولى الاضطراب والاهتزاز والحركة على وجه الأرض في الليل والنهار ، ولتعرض لإمكان الانهدام والسقوط كل مبنى من المباني.
بيدَ أنّ وجود هذا الحصن المنيع في الأرض ينزل بالمد والجزر إلى أدنى مستوى ، وحالياً تأخذ القشرة السميكة للأرض بالارتفاع والانخفاض بمقدار ثلاثين سانتيمتراً في كل يوم وليلة أيضاً ، وهذا بعكس البحار التي ترتفع وتنخفض على أثر الجزر والمد امتاراً متعددة أحياناً.
وتوجِد جاذبية الشمس المد والجزر أيضاً وإن كان ضعيفاً ، ولو وقع مسير الشمس والقمر في خط واحد واتصلت الجاذبيتان في جانب واحد ، لاشتدت قوة هذه الحركات