الكيس ومحتواه بالجهاز المضاد للصدمات نظير النوابض المرنة للسيارة التي تخفف من تأثير عراقيل الطريق. فضلاً عن ذلك أنّه يحول دون تسليط ضغط على أعضاء جسم الجنين ، ذلك لأنّ هذا الضغط يلحق الضرر بذلك الجسم اللطيف ، إضافة إلى أنّ البرودة والحرارة الخارجية لا تنتقل إلى الجنين بسهولة كما لا يخفى ، لأنّها وفي طريقها إلى الجنين لابدّ أن تخترق ذلك الكيس المملوء بالماء ، فتصل إليه معتدلة الحرارة ، وإلّا فمن الممكن أن يختل وضع الجنين بصورة كاملة عند استحمام واحد للُام بالماء البارد أو الحار.
وبناءً على هذه الامور التي توضح لنا مفهوم (القرار المكين) بصورة كاملة لا يعتبر الرحم ملجأً آمناً ومناسباً للجنين فحسب ، بل إنّ هذا الأمن والحصانة تسايره في المراحل التي تمر بها ولادته أيضاً.
وكما قال بعض المفسرين الجدد : إنّ المادة السائلة الخاصة التي يسبح فيها الجنين تتسبب في اتساع فوهة الرحم حين الولادة وتعقيم المجرى الذي يمر منه الجنين ليتمكن من اجتياز هذا المجرى المتلوث بأنواع الميكروبات عادة فيخرج إلى الدنيا سالماً ، في منتهى الأمن والراحة (١).
وممّا يستحق الاهتمام أنّ القرآن الكريم عندما يريد أن يفصح عن سلسلة المراحل التكاملية للجنين يقول تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقْنَا المضغةَ عِظَاماً فَكَسَوَنا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ انشَأنَاهُ خَلْقًا آخَرَ* فَتَبَارَكَ اللهُ احْسَنُ الخَالِقِينَ). (المؤمنون / ١٤)
ومن طريف القول هو ما اثبته علم الأجنة حالياً أنَّ الجنين عندما يطوي مرحلة كونه علقة ومضغة ، تتبدل كل خلاياه إلى خلايا عظمية ، ثم تغطيها العضلات واللحم بالتدريج (وقد أثبتت ذلك الأفلام الدقيقة الباهضة التكاليف التي أخذت لكل المراحل الجنينية).
وهذا هو ما جاءت به الآية السابقة بدقة إذ تقول : (فَخَلَقْنَا المُضَغةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا) ، وهذه هي احدى المعجزات العلمية للقرآن الكريم ، ذلك أنّه لم يكن في ذلك الزمن
__________________
(١) تفسير المراغي ، ج ١٨ ، ص ١١.