بثبات قررت كتابة وثيقة تمنع فيها العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع بني هاشم حتى تشكل ضغوطاً على الرسول صلىاللهعليهوآله لمنع نشر الدعوة : «ولما رأت قريش الإسلام يفشو ويزيد وان المسلمين قووا وعاد إليهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي امية من النجاشي بما يكرهون من منع المسلمين عنهم وآمنهم عنده ، ائتمروا في أن يكتبوا بينهم كتاباً يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا من بني هاشم وبني المطلب ولا ينكحوا إليهم ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم شيئاً ، فكتبوا بذلك صحيفة وتعاهدوا على ذلك ثم علّقوا الصحيفة في جَوف الكعبة توكيداً لذلك الأمر على أنفسهم» (١).
وهكذا قد ضيَّقوا الخناق على بني هاشم وبني المطلب ليقع الخلاف بينهم ويُسلِّموا لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
واستمر الحصار على مدى ثلاث سنوات (٢) وكانوا محرومين من كل شيء ما عدا القليل الذي يهيؤنه سراً ، غير أنّ مؤامراتهم فشلت مرّة اخرى فأكلت الارضة لائحتهم المعلّقة داخل الكعبة وملَّ بعض الأشخاص هذا العمل الوحشي غير الإنساني فاصبحوا بصدد إلغاء اللائحة ، وقد الغيت بالفعل وانتهى الحصار (٣). ورجع الرسول وعشيرتهُ إلى مكة المكرمة.
واستمر الإسلام بتقدمه والرسول صلىاللهعليهوآله بدعوتهِ ، وهنا وقعت حادثتان مؤلمتان للرسول صلىاللهعليهوآله (٤) قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وهما : وفاة أبي طالب وخديجة عليهماالسلام وكان للحادثتين أثر بالغٌ على الرسول صلىاللهعليهوآله والمسلمين ، وضيقوا الخناق على الرسول صلىاللهعليهوآله «حتى ينثر بعضهم التراب على رأسهِ وحتى أن بعضهم يطرَحُ عليه رحم الشاة وهو يصلي ....».
بعدها صمم الرسول صلىاللهعليهوآله على أن يستمد العون من مجموعة من قبيلة ثقيف الساكنة في الطائف لحمايته ونشر الإسلام ، ولكنهم كذبوه وطردوه فكان ذلك ثقيلاً على قلب رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخذ يدعو بهذا الدعاء المعروف ، يقول التأريخ : «فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد يئس
__________________
(١) الكامل ، ج ١ ، ص ٥٠٤ ؛ وابن هشام ، ج ١ ، ص ٣٧٥ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٧٤.
(٢) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٣٧٩.
(٣) الكامل ، ج ١ ، ص ٥٠٥ ؛ وابن هشام ، ج ٢ ، ص ١٤ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٧٨.
(٤) الكامل ، ج ١ ، ص ٥٠٧ ، وابن هشام ، ج ٢ ، ص ٥٧ ، وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٨٠.