ازدادت حدّة الضيق في تنفسه حتى يصل إلى الوقت الذي يغمى عليه لقلّة الاوكسجين.
إذن توجد هناك علاقة وثيقة بين ضيق النفس والصعود إلى السماء ، ولم تتبلور هذه الحقيقة في ذهن أي شخص في ذلك العصر (١). بيد أنّها قد تبلورت في اذهان الجميع في يومنا هذا ، فقد سبق لنا أن سمعنا هذا الحديث من مضيّفي الطائرة عدة مرات أثناء سفرنا بها ، بأنّ الهواء الموجود داخلها ينظم بجهاز خاص ، فاذا حدث خلل فيه ، فحينئذ ينبغي الاستفادة من نقاب الاوكسجين ، لتستغل الطائرة سرعتها وتصل إلى الطبقات السفلى للجو الأكثر ضغطاً.
كما أنّ العلاقة بين هذا المعنى وبين تفسير الآية واضحة جلية.
وهي في الواقع تشبيه المعقول بالمحسوس ، فقد شبّه الجمود الفكري والتعصب واللجاجة وقصر نظر الضالين المعاندين في اعتناقهم للإسلام ، بضيق التنفس الناجم عن قلة حصول الاوكسجين بالنسبة للشخص الذي يصعد إلى السماء.
ونُنهي هذا البحث بمقولة للمراغي في تفسيره هذه الآية ، إذ يقول : «سُبحانك ربّي نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرها البشر ، ولم يفقه معرفة كنهها إلّابعد أن مضى على نزولها نحو أربعة عشر قرناً ، وتقدم فن الطيران ، الآن علم الطيارون بالتجربة صدق ما جاء في كتابك ، ودلّ على صحة ما ثبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوي في مختلف طبقات الهواء ، وقد عُلم الآن أنّ الطبقات العليا أقل كثافة من الطبقات التي هي أسفل منها ، وأنّه كلما صعد الإنسان إلى طبقة أعلى شعر بالحاجة إلى الهواء وبضيق في التنفس نتيجة لقلة الهواء الذي يحتاج إليه ، حتى لقد يحتاجون أحياناً إلى استعمال جهاز التنفس ليساعدهم على السير في تلك الطبقات ، وهذه الآيات وأمثالها لم يستطع العلماء أن يفسروها تفسيراً جلياً لأنّهم لم يهتدوا لسرّها ، وجاء الكشف الحديث وتقدُّم العلوم فأمكن شرح مغزاها وبيان المراد منها بحسب ما أثبته العلم ، ومن هذا صح قولهم ، «الدين والعلم
__________________
(١) يُصاب الإنسان أحياناً بضيق في النفس عند تسلق الجبال ، هذا صحيح ومعروف منذ الأيّام السالفة ، ويحصل نتيجة للجهد البدني الشديد ويشاهد في حالة الركض على الأرض المستوية أيضاً ، غير أن القرآن يقول : إنّ ضيق النفس يسببه الصعود إلى السماء لا الجهد البدني الشديد.