ورجع موسى إلى ربّه ، وقال وا أسفي على ما ارتكب هؤلاء القوم من ذنب عظيم لأنّهم صنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب ، والآن لو رفعت عنهم وزرهم وإلّا ألتمس منك أن تمحو إسمي من الكتاب الذي عهدته لي (مقام النبوة)!
وقال الله تعالى لموسى : كل من أقام على الذنب امحو اسمه من كتابه ، فإذن تحرك الآن وارشد هؤلاء القوم إلى المكان الذي أوصيتك به (١).
ويستفاد من العبارات السابقة المنقولة عيناً من كتاب العهد القديم عدّة نكات :
١ ـ إنّ الأمر بصنع الصنم وعبادته صدر من هارون ، كما أنّ الأمر تحقق بمعونته أيضاً وهو فضلاً عن عدم نهيه عن هذا العمل كان مروجا له ومرسياً لدعائمه ، ولم يأت الحديث عن السامري في هذا الفصل مطلقاً ، ترى هل يمكن تحقق هذا العمل من قبل شخص يقوم مقام موسى ، بصفته وزيراً مساعداً وملازماً ورئيساً لكهنة بني اسرائيل ـ بشهادة التوراة ـ كيف يصدق العقل والمنطق أن تُنسب هذه النسبة القبيحة والمخجلة إلى هارون (٢)؟
٢ ـ إنّ الله تعالى اشتد غضبه على أثر هذه القضية بحيث أراد أن يبيد قوم موسى لكن موسى نبّهَ الله تعالى إلى نكتتين (خصوصاً أنّه يخاطب الله تعالى بجملة واحدة ويقول لا يعزب عن بالك ليهدأ من فورة غضبه وسخطه ، الاولى : إنّك إذا قمت بهذا العمل فإنّ أهل مصر سيقولون : ألهذه الغاية اخرجت بني اسرائيل من مصر ، كي تقتلهم في وسط الجبال وتبيدهم من على وجه الأرض ، والاخرى ، هي أنّك اعطيت موثقا بأني سأزيد من نسل أبنائكم بعدد نجوم السماء ، وهذا العمل لا ينسجم مع هذا القول والقسم! وتغيرت مشيئة الله تعالى على أثر تنبيهات موسى له كما هو المصرح به في التوراة.
٣ ـ إنّ موسى عليهالسلام بعد أن أحرق العجل بالنار ، نثر رماده في الماء وأعطى هذا الماء لبني اسرائيل كي يشربوا منه فهل كانت هناك خصوصية في الرماد المتبقي من العجل حتى يشربوا من مائه؟!
__________________
(١) نقلاً عن التوراة المترجم والذي طبع في بريطانيا سنة ١٨٧٨ ص ١٠٤ و ١٠٥ ، (سفر الخروج الباب ٢٣).
(٢) مؤلف كتاب «القاموس المقدس» هاكس الاميركي يقدم توجيهاً مضحكاً لهذه القصة إذ يقول : «لقد قام هارون بهذا العمل لإسكات القوم» ، فمع أنّ هذا الكلام يصدق عليه القول المعروف «العذر أقبح من الفعل» ، فهو لا يتلائم أبداً مع اقامة المذبحة والأمر بالقربان وتعيين العيد.