«إِن محمداً منّا حيثُ قد علمتم ، في عزٍ ومنعةٍ وإنّه قد أَبى إلّاالانقطاع إليكم فإنّ كنتم ترونَ أنّكم وافون له بما دعوتموهُ إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم تَرونَ أنّكم مسلموهُ وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدَعُوه فانّه في عزٍّ ومنعةٍ من قومه وبلده» ، فقالت الأنصار :
تكلّم يارسول الله وخذ لنفسك وربّك ما أحببت «فتكلّم وتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال : ابايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» ، فأخذ (البراء بن معرور) بيده ثم قال : «والذي بعثك بالحقِ لنمنعنك ممّا نمنع منه أزرنا فبايعنا يارسول الله فنحن والله أهل الحرب ...».
وقال الآخر ويدعى أبو الهيثم بن تيهان : يارسول الله إنّ بيننا وبين الناس حبالاً وإنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيتَ إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومِك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال :
«بل الدَّم الدَّم والهدمَ الهدمَ أنتم منّي وأنا منكم اسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم» ثم قال صلىاللهعليهوآله : «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم» فاخرجوهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهنا قال العباس بن عبادة صاحب الفكر العميق والنظرة الثاقبة : يا معشر الخزرج هل تَدرون عَلامَ تُبايعون هذا الرجل ... تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإنّ كنتم تَرون أنّكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلاً أسلمتموهُ فمن الآن ، فهو واللهِ خُزي الدنيا والآخرة إن فعلتم ، وإن كنتم تَرون أنّكم وافون لهُ بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوهُ فهو والله خير الدنيا والآخرة ، قالوا : فإنّا نأخُذَه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فمالنا بذلك يارسول الله إن نحن وفينا؟ قال : الجنَّة ، قالوا : أبسط يدكَ فبسط يده فبايعوهُ» (١).
إنّ هذا النصر الكبير أدّى إلى ازدياد حقد وعداء أهل مكة للمسلمين فازدادوا ظلماً وتعذيباً لهم ، فأمرهم الرسول صلىاللهعليهوآله بالهجرة (٢) إلى المدينة.
__________________
(١) الكامل ، ج ١ ، ص ٥١٣ ؛ وسيرة ابن هشام ، ج ٢ ، ص ٨٨.
(٢) سيرة ابن هشام ، ج ٢ ، ص ١١٢ ؛ والكامل ، ج ١ ، ص ٥١٥ ؛ وتفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٩٧.