وكان الأعداء يفتخرون بقدرتهم وشوكتهم ويقولون : نحن جماعة قوية ومتحدة وسننتقم من مناوئينا وننتصر عليهم : (ام يَقُولُونَ نَحنُ جَمِيعٌ مُّنْتصِرٌ) ، إلّاأنّ القرآن يعقب على ذلك مباشرة بقوله : (سَيُهْزَمُ الجَمعُ وَيُولُّونَ الدُّبُرَ).
إنّ من المسلم هو عدم إمكان حصول التوقع والحدس بالانتصار السريع للمسلمين وكسر شوكة أعداء الإسلام في ذلك الزمان ، إلّاأنّه لم تمرّ فترة قصيرة من الزمن حتى هاجر المسلمون وعظمت قدرتهم وشوكتهم بحيث إنّهم وجهوا ضربة قوية ومباغتة إلى نحور الأعداء في أول اصطدام من نوعه مع الأعداء في ساحة معركة بدر.
والجدير بالذكر أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في يوم بدر كما جاء عن ابن عباس بدأ بالدعاء في خيمته ومن ضمن ما كان يدعو به أنّه صلىاللهعليهوآله كان يقول : (اللهم أقسم عليك بالعهد الذي عاهدته معنا) ، ثم لما خرج بلامة الحرب من الخيمة ودخل ساحة القتال تلا هذه الآية : (سَيُهَزمُ الجَمعُ وَيُولُّونَ الدُّبُرَ) أي أنّ الوعد الإلهي سيتحقق هذا اليوم (١).
وبطبيعة الحال فقد استمرت هزائم الأعداء ونكوصهم على اعقابهم مراراً وتكراراً ، ولم تمر أعوام حتى اذعنت «شبه الجزيرة العربية» كافة ـ فضلاً عن كفار مكة ـ بالتسليم والانقياد للمسلمين.
ونقل في تفسير القرطبي عن بعض المفسرين : إنّ هذه الآية نزلت في ميدان معركة بدر ، في حين أنّ المعروف والمشهور هو نزول سورة القمر بأجمعها في مكة ، والظاهر أنّ منشأ الاشتباه راجع إلى نفس ما تقدمت الإشارة إليه بأنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كرر هذه الآية في ساحة بدر ، فكانت إشارة واضحة إلى تحقق الوعد الإلهي في ذلك اليوم ، لهذا ظن البعض أنّ الآية نزلت في ذلك المكان ، على كل حال فهذه هي احدى التنبؤات القاطعة للقرآن التي تحققت على حين غرة في فترة قصيرة.
* * *
__________________
(١) نقل هذا الحديث عن صحيح البخاري عن ابن عباس في تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٦٥٧ «مع التلخيص».