وفسره البعض أيضاً بأنّه مقام النبوة ، أو القرآن ، أو نهر في الجنّة ، أو الشفاعة. وكما قلنا : إنّ لهذه الكلمة معنى واسعاً وشاملاً لكل هذه المعاني وغيرها ، ولا يمنع من جامعية المفهوم تعدد مصاديق هذا المفهوم ، فليس ثمّة تضاد وتنافر بين هذه التفاسير المتعددة.
وعلى أي حال يستكشف من هذه السورة ثلاث نبوءات هامة :
أولاً : إنّه يقول : (انّا أعطيناك الخير الكثير)
إنّ كلمة «اعطيناك» وإن خرجت بهيئة الفعل الماضي إلّاأنّها من الممكن أن تكون من قبيل المضارع القطعي المبين بصيغة الفعل الماضي.
وهذا الخير الكثير في الحقيقة يستوعب كل الانتصارات التي حظي بها النبي صلىاللهعليهوآله ، والتي لم تكن متوقعة حين نزول هذه السورة.
هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار شأن النزول وكلمة «الأبتر» التي اطلقها الأعداء على النبي صلىاللهعليهوآله ، فيكون أحد المصاديق الجلية لهذا الخير الكثير هم «الأبناء» ، والسلالة الخيرة التي تفرعت من ابنته الوحيدة «فاطمة الزهراء عليهاالسلام» ، وانتشرت في سائر أنحاء الكرة الأرضية ، وعلى حد قول البعض : إنّهم ملأوا العالم في يومنا هذا ، وهذا هو الذي لم يكن متوقعا في ذلك العصر.
وأشار إلى هذا الموضوع ـ بصراحة ـ جماعة من مفسري أهل السنّة أيضاً ، من ضمنهم الفخر الرازي ، فالقول الثالث الذي ينقله في تفسير «الكوثر» هم نفس أولاده وأبنائه وهذه السورة إنّما نزلت رداً على من عابه صلىاللهعليهوآله بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه الله تعالى نسلاً يبقون على مر الزمان ، فانظركم قتل من أهل البيت ، والعالم ممتليء منهم ، ولم يبق من بني امية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثم انظركم من الأكابر من العلماء : كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام والنفس الزكية وأمثالهم (١).
وجاء هذا المعنى في تفسير روح المعاني أيضاً : وقيل : هو أولاده صلىاللهعليهوآله لأنّ السورة نزلت رداً على من عابه صلىاللهعليهوآله وهم والحمد لله كثيرون قد ملأوا البسيطة (٢).
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٣٢ ، ص ١٢٤.
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ٢٤٥.