من هنا لم يتسن لأي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل ، فضلاً عن أنّ الاعجاز ليس من شأن النبي واختياره ، وإنّما هو من شأن الله تعالى واختياره.
إنَّ النبي بإمكانه أن يطلب المعجزة من الله والله تعالى يضع بين يديه أي شيء يراه صالحاً ، ولهذا نقرأ هذا المعنى في ذيل قوله تعالى : (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنْتُ الَّا بَشَراً رَّسُولاً) (الأسراء / ٩٠ ـ ٩٣)
وكذا في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ انْ يَاتِىَ بِآيَةٍ الَّا بِاذْنِ اللهِ). (الرعد / ٣٨)
وأمّا قوله : نحن لن نستسلم لمطاليبكم لأنّ الأولين كذبوا ذلك ، فهذا يدعو إلى هذا التساؤل وهو : كيف يجوز أن يكون تكذيب الأولين سبباً لحرمان الأجيال المتعاقبة من مشاهدة المعجزات؟ فالاجابة عنه تكمن في كون هذه العبارة متداولة وذلك بأن يقال للشخص العنيد الذي لا نريد أن نستسلم له : إنَّ اقتراحك لم يكن وجيهاً وقد سبق لغيرك أن اقترحه ، ولم يرضخ للحق.
بعبارة اخرى أنّ المعاجز التي تقترحونها لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة ، وإنّما هي «اقتراحية» وتعجيزية ، ولو نفذت طلباتكم لما آمنتم أيضاً ، فقد سبق لافراد مثلكم في الامم الغابرة أن طلبوا إظهار معاجز ثم كذبوها بعدما شاهدوها.
ملخص الكلام هو أنّ من الصحيح القول : إنّ القرآن لوحده معجزة خالدة ، ولو لم يكن هناك معجزة اخرى سوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت أن تكون شاهداً على صدقه ، ولكن هذا لا يدل على أنّ النبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعاجز الروحية والمعنوية ، بل ذهبت الآيات والروايات والتواريخ الإسلامية وسيرة النبي إلى القول : إنّه كان يمتلك ذلك ، ولا شك في أنّ انضمام المعجزات المحسوسة والمادية إلى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقانية الدعوة النبوية بصورة أجلى وأوضح.
* * *