الجواب :
إنّ الالتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من المفسرين الكبار توضح الجواب عن هذا الإشكال وهي : إنّ المعجزات على نوعين :
النوع الأول : هي المعجزات الضرورية لإثبات صدق دعوى النبي ، وترغيب الناس في الإيمان ، وتخويف المنكرين ، وهي المعاجز المنطقية للذين ينشدون الحق والباحثين عن الحقيقة ، بحيث يعبر القرآن الكريم في ذيل الآية المذكورة بقوله : (وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ الّا تَخْوِيفًا). (الاسراء / ٥٩)
النوع الثاني من المعجزات : هي المعجزات التي تسمى بـ «الاقتراحية» ، أي المعجزات التي يطالب بها المتعلّلون لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الإيمان واعتناق الإسلام ، وإنّما بقصد تعجيز الطرف الآخر ، فإن وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.
والأنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الأول ولا يستسلمون اطلاقاً لمقترحات المتعللين والمعاجز الاقتراحية.
يشير لحن الآيات ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الاسراء بشكل واضح إلى أنّ هذه الموضوعات العجيبة والغريبة والمتهافتة لمشركي العرب لم يكن منشأُها هو البحث عن الحقيقة ، بل الغاية منها هي اختلاق الأعذار والتشكيك في نبوة نبي الإسلام وارساء دعائم الشرك والصنمية ، ولذا لم يُمعِنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم ، فمن ضمن مطالبهم مثلاً أنّهم يطلبون معجزة من المعاجز التي تبيدهم «كنزول الأحجار السماوية على روؤسهم» ، وتارة يطلبون معجزة كمعجزة (الصعود إلى السماء) ، ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون : نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتاباً من قبل الله ، وتارة يطلبون الامور المستحيلة كقولهم : أن تأتينا بالله والملائكة ، والحال أنّ الله ليس له مكان ، وليس بجسم ولا جسماني.
ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقانية النبي فَلِمَ يطلبون ست معاجز مختلفة؟ ألا تكفي معجزة واحدة؟