وفي الحقيقة كان النبي صلىاللهعليهوآله يعتمد على هذه القرينة عندما يقول : إنني عشت بينكم سنين طويلة ولم تسمعوا مني مطلقاً مثل هذا الكلام (الآيات القرآنية) ، ولو كانت هذه الآيات صادرة مني فلابدّ أن تجري على لساني خلال هذه الاربعين سنة أو لسمعتم مني قسماً منها على الأقل.
وكما يقول بعض علماء النفس : فإنّ النبوغ الفكري ، واكتشاف وإبداع المسائل المستحدثة يبدأ عادة عند الإنسان من سن العشرين ، وتمتد على الأكثر إلى سن ٣٠ أو ٤٠ سنة ، أي أنّ الإنسان إذا لم يأت حتى ذلك العمر بابتكار جديد ففي الغالب ينتفي عنده بعد ذلك.
وهذا الموضوع الذي يُعدّ اليوم كاكتشاف نفساني كان في الماضي غير واضح إلى هذا الحد ، ولكن غالبية الناس كانوا يعرفون عادة بالهداية الفطرية أن ليس بمقدور الإنسان أن تكون له أفكار خاصة متمثلة بدين جديد وهو يعيش بين قومه وشعبه مدّة أربعين سنة ولا يظهرها مطلقاً ، ولهذا يقول القرآن : كيف لا تدركون استحالة هذا الأمر؟
إنّ استناد القرآن الكريم في آيات متعددة على (امّية) النبي صلىاللهعليهوآله له دلالات مليئة بالمعاني ، وكذلك القرائن بأنّ كيف يستطيع شخص لم يتلقَّ تعليماً أن يأتي بكتاب بهذا المحتوى الذي ليس له نظير ، وبهذا الشمول الاستثنائي ، والحقائق التي تحتفظ بطراوتها تماما بعد مضي الف سنة أو أكثر ، والذي يعتبر وصفة راقية وناجعة لحل المشاكل الحياتية لبني البشر في الجوانب المعنوية والمادية؟
وممّا قيل نستنتج أنّ للقرآن الكريم اهتماماً خاصاً بهذا الدليل (أي تجميع القرائن).
والآن نعود إلى الشرح والبيان التفصيلي لهذه القرائن التي اختصّ بها النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ونخضع الامور التالية للبحث والدراسة الدقيقين :
محيط دعوته والظروف السائدة هناك.
الخصائص الأخلاقية والنفسية لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله وسوابقه.
زمان دعوته من ناحية الوضع العام في العالم وبالخصوص في منطقة ظهوره صلىاللهعليهوآله.
مضمون دعوته وأسس القضايا التي يدعو الناس إليها.