بقائد إلهي عظيم يمكن مشاهدتها به صلىاللهعليهوآله بوضوح خلال الوقائع المختلفة في حياته ، وخاصةً أثناء فتح مكة ، ومعركة احد ، وكذلك في تعامله مع أسرى الحرب ، والرقيق ، وطبقات المجتمع المحرومة ، إلى الحد الذي اعتبروا فيه هذه المسألة بأنّها نقطة ضعف عنده ، وأنّ دينه هو دين العبيد والمحرومين ، وابتعد عنه الأغنياء والأثرياء ، وعرضوا عليه طرد الحفاة والمستضعفين وإبعادهم مقابل تأييدهم له وتقربهم منه صلىاللهعليهوآله ، وقد جاء هذا المعنى بإشارة واضحة في قوله تعالى :
(وَاصْبِر نَفسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِيَنةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلَاتُطِعْ مَنْ اغْفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً). (الكهف / ٢٨)
وهو الذي صفح عن (أبو سفيان) ألدّ اعدائه والمؤجج الخطير لنيران الحروب ضد الإسلام ، وجعل من بيته أثناء فتح مكة ملجأً ومأمناً لأهل مكة ، وأعلن العفو العام عن المكيّين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة ضده وضد أتباعه ، وهذا الخُلق الحسن والتسامح واللُّطف والكرم صار السبب في جعلهم يلتفون حوله.
وفي (معركة احد) أيضاً عندما فرّ جماعة من حديثي الدخول في الإسلام من أرض المعركة وتركوه وحيداً بين الأعداء متحملا ضربات شديدة منهم ، عاد وأعلن العفو العام ، وصفح عن الجميع إلى درجة استوجبت نزول الآية المباركة : (فَبما رَحمةٍ مَن اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَليظَ القلبِ لَانْفَضُّوا مِن حَولك فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم فِى الأَمْرِ). (آل عمران / ١٥٩)
فقد بيّنت هذه الآية لين قلب وباطن النبي صلىاللهعليهوآله وصفاء سريرته وكذلك لهجته الرقيقة والمليئة بالعاطفة التي لم تأمره بالعفو عن أخطائهم فحسب ، بل أمرته أيضاً بطلب المغفرة لهم من الله تعالى ، وأن يحترم شخصياتهم ويشاورهم.
لقد كان صلىاللهعليهوآله رحيماً بالمؤمنين وغير المؤمنين بالقدر الذي يجعله يتألم بشدّة من عدم إيمان البعض ، وإلى حد يوشك فيه على الهلاك أسفاً عليهم.