ذلك يسمى تصدية ، وعلى هذا الأساس سمي تردد الصوت بين الجبال بالصدى ، ولم ينتهوا إلى هذا الحد بل كانوا يطوفون عراة كما ولدتهم امهاتهم حول الكعبة ، وهذا ما اشير إليه عندما نزلت سورة براءة وقام بإبلاغها أمير المؤمنين علي عليهالسلام في شهر ذي الحجة بقوله : «لا يطوفَنَّ بالبيت عُريانٌ ولا يحُجنَّ البيتَ مشركٌ ...» (١).
ويقال : إنّ السبب من طوافهم عراة أنّ مجموعة من العرب يُسمّون أنفسهم (حُمس) (٢) يعتقدون بأنّ طوافهم حول الكعبة يجب أن يكون بلباس خاص ، ومن لم يملك ذلك اللباس ويطوف بملابسه المعتادة فعليه أن يرميها بعيداً بعد انتهاء الطواف ولا يحق له وللآخرين استخدامها ولذلك يطلقون على هذه الألبسة (اللَقاء) ، أي ما يُلقى من الثياب ، وإذا اخذ بنظر الاعتبار أنّ أكثر الناس كان يسودهم فقر مدقع ولا يملكون إلّالباساً واحداً فيضطرون لخلعه من أجل الاحتفاظ به ويطوفون عراة حول الكعبة.
وقد استفاد أصحاب الشهوات أحياناً من هذه الخرافة ليتمتّعوا بالنظر إلى الشباب من الرجال والنساء عندما يعرضون أجسادهم عارية (٣).
ويذكر ابن هشام أنّ الرجال كانوا عراة تماماً. أمّا النساء فكنَّ يخلعن كل ملابسهن ما عدا ثوباً مشقوق الذيال يبدي أجسامهن ثم ينشغلن بالطواف ، وذات يوم طافت امرأة في تلك الهيئة أمام أعين رجال شرهة فأنشأت هذا الشعر الذي حفظه لنا التاريخ :
اليَومَ يَبدُو بَعضُهُ أَو كُلُّهُ |
|
فما بَدا مِنهُ فَلا أحِلُّهُ (٤) |
أمّا القرابين التي يقدمونها إلى الأصنام فلها قصةٌ مفصلةٌ ، فمن جملة ذلك أنّ الناس في (دومة الجندل) (٥) كانوا يقدمون شخصاً في كل سنة قُرباناً إلى الآلهة مع مراسم خاصة ثم يدفنون جسده المدمى قرب المذبح ، حتى كتب بعضهم : ا نّ المصريين كانوا يقدمون أجمل
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٣ ، في ذيل الآيات الاولى لسورة البقرة.
(٢) «حُمس» على وزن «خُمس» جمع «أحمس» وهو من تعصب لدينهِ ، ولأنّ قريش كانت توطد عقيدةالشرك لذلك وصفوا أنفسهم بال (حُمس).
(٣) الإسلام والعقائد والآراء البشرية ، ص ٢٨٨.
(٤) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٢١٥.
(٥) منطقة في شمال غربي (نجد) في قمة جبال الجزيرة العربية ، وهناك كانت قصة وقوع التحكيم بصفين.