اجتمع كل من (ابن أبي العوجاء) ، و (أبي شاكر الديصاني) ، و (عبد الملك البصري) ، و (ابن المقفع) وقد كانوا جميعاً من الملحدين الذين لا إيمان لهم ، اجتمعوا إلى جوار الكعبة واخذوا يسخرون من أعمال الحجاج ويوجهون الطعن إلى القرآن.
قال ابن أبي العوجاء : هَلمُّوا جميعاً لينقض كل واحد منّا ربعاً من القرآن ونأتي بشيء مثله ، وسيكون موعد لقائنا في السنة الآتية في هذا المكان ، عندما ننقض القرآن بأكمله ، لأن نقض القرآن هو السبب المؤدي إلى إبطال نبوة محمد صلىاللهعليهوآله وإبطال نبوته هو إبطال للإسلام وإثبات لأحقية ادّعائنا ، فاتفقوا وتفرقوا على ذلك.
وفي السنة المقبلة ، وفي اليوم نفسه اجتمعوا إلى جوار الكعبة وأخذ ابن أبي العوجاء يحدثهم ويقول : منذ اليوم الذي تركتكم وابتعدت عنكم ، كُنت افكر في هذه الآية : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِيّاً). (يوسف / ٨٠)
فوجدتها على جانب كبير من الفصاحة والغزارة المعنوية بحيث إنني لم أتمكن من أن اضيف شيئاً إليها ، إضافة إلى أنّ هذه الآية شغلت ذهني عن التفكير بغيرها.
وأمّا عبد الملك فقال : وأنا كذلك كنت افكر في هذه الآية حينما افترقت عنكم : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُربَ مَثَلٌ فاستَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ الله لَنْ يَخلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يسَلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيئاً لَّايَستَنقِذُوهُ مِنُه ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ). (الحج / ٧٣)
وقد وجدت نفسي عاجزاً عن الإتيان بمثلها.
وقال أبو شاكر : منذُ ذلك الوقت الذي ابتعدت عنكم كنت افكر في هذه الآية : (لَو كَانَ فَيهِمَا آلهةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا). (الأنبياء / ٢٢)
ولم أجد نفسي قادراً على الإتيان بمثلها.
وأضاف ابن المقفع فقال : «ياقوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر لأنني منذ تلك اللحظة التي افترقت فيها عنكم كنت أتأمل في هذه الآية : (وَقِيلَ يَا ارْضُ ابلَعِى مَآءَكِ وَيَاسَمَاءُ اقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِىَ الْامْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ وَقَيِلَ بُعداً لِّلقَومِ الظَّالِمِينَ). (هود / ٤٤)