كانوا يلومونه كثيراً ، وكان يقول : أريد أن احيط علماً بعقائدهم ؛ ثم تظاهر بالالحاد بعد ذلك ودخل في منازعات مع الناس ، يقال : إنّ أباه كان يهودياً ثم أسلم ، لذا قال بعض اليهود لبعض المسلمين : إنّ ابن الراوندي سيضيع كتابكم كما ضيع والده كتاب اليهود.
وكتبوا عنه : أنّه لم يستقر على عقيدة معينة ، إذ كتب لليهود كتاباً في الرد على الإسلام ، مقابل أربعمائة درهم تحت عنوان (البصيرة) ولما انتهى منه ، انبرى للرد عليه ، وامتنع عن ذلك مقابل استلامه لمائة درهم.
ويقال : إنّه قام بتأليف كتاب ، يتحدى به القرآن اسمه (التاج) إلّاأنّه لم تقع في ايدينا نسخة منه إلى وقتنا هذا. وهو الكتاب نفسه الذي يقول عنه (أبو العلاء المعري) : أمّا تاجُهُ فليس إلّانعلاً! وهل تاجه إلّاكما قالت الكهنة : افٍ وتُفٍ وجورَبٍ وخُفٍ (١).
* * *
يُستنتج بشكل واضح من كل ما قلناه : أنّ أحداً لم يعطِ جواباً لدعوة القرآن إلى المناظرة والتحدي ، على الرغم من توفر الدواعي لهذا الأمر ، ابتداءً من زمن المشركين العرب وأهل الجاهلية ، وانتهاءً بهذا اليوم الذي تخصص فيه القوى الاستكبارية رؤوس اموال ضخمة من اجل القضاء على الإسلام والقرآن ، ومن الطبيعي أنه إذا كان باستطاعتهم أن يعبئوا طاقات الادباء العرب والعلماء الاجانب للإتيان بما يماثل القرآن لما ادخروا وسعاً في ذلك.
وما نشاهد في طول التاريخ من أشخاص كمسيلمة وسجاح مع كل فضائحهما فأنّهم لم يثبتوا قدماً واحداً في هذا وعندئذ سندرك جيداً عدم إمكانية هذا الأمر ، وإلّا لكان ذلك ذريعة كبرى يتوسل بها أعداء الإسلام المعاندون لنشر هذا الأمر في كل مكان ، وهذا هو معنى الضعف والعجز عن تحدي القرآن.
* * *
__________________
(١) اعجاز القرآن ص ١٣٣ ـ ١٣٧.