بدأ الإسلام بشخصية الرسول الأكرم محمد صلىاللهعليهوآله وقد بعثهُ الله سبحانه وتعالى بالرسالة وهو في الأربعين من عمره الشريف ، ثم آمنت به السيدة خديجة عليهاالسلام ، وبعدها أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، حيث كانت دعوة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله في المرحلة السرية ، وكان قبل ذلك في السنين الثلاث لم يعلن دعوته إلّالمن يثق به.
أمّا بعد تلك السنوات الثلاث ، وعندما نزلت الآية الكريمة : (وَأَنْذِرِ عَشيرَتَكَ الأقرَبين). (الشعراء / ٢١٤)
أعلن رسول الله صلىاللهعليهوآله دعوته أمام الناس ، فصَعدَ على جبل الصفا ودعا أقرباءه وأعدّ لهم وليمة ، وفي ذلك اليوم كان المسلمون يعدون بالأصابع (١).
وقد اقيمت الوليمة مرّتين ، إذ في المرة الاولى لم يُعطِ أبو لهب النبي صلىاللهعليهوآله فرصة للكلام ، وفي المرة الثانية سخروا من كلامه صلىاللهعليهوآله والتفتوا لأبي طالب قائلين له : «قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع».
وفي هذه المأدبة كان النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله يرى بعين الغيب انتشار الإسلام الأكيد ، حتى أنّه عيّن خليفة ووارثاً له فيها (٢).
ولم تمضِ مدّة طويلة حتى أدرك رؤساء مكة أنّ محمداً صلىاللهعليهوآله قد أضاء أفكار الناس وأيقظهم وأثبت عدم صحة عبادة الأوثان ولزوم الإيمان بخالق الكون ، فأحسّوا بالخطر عندما ترسخت دعوته ، لأنّ منزلتهم الاجتماعية وعائداتهم المالية كانت مرتبطة إلى حد ما بتلك الأفكار والأعراف الجاهلية ، حتى أنّهم ذهبوا إلى أبي طالب راجين منه رفع اليد عن حماية محمد صلىاللهعليهوآله أو المصالحة بينهم وبين محمد صلىاللهعليهوآله أو إصلاحه ، وقالوا : «يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سَبَّ آلهتنا وعابَ ديننا وسفّهَ أحلامنا وضلل آباءنا فإمّا أن تكفَّهُ عنّا وإمّا أن تخلّي بيننا وبينهُ» (٣).
ولكنَّ أبا طالب عليهالسلام قال لهم قولاً جميلاً وردهم ردّاً رقيقاً ، وأخذ الإسلام يشق طريق
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ، ج ١ ، ص ٤٨٦ ، طبع دار احياء التراث العربي ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٦١.
(٢) تفسير جامع البيان ، ج ٢ ، ص ٦٣.
(٣) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٢٨٣ ، ط مصر ؛ الكامل لابن الأثير ، ج ١ ، ص ٤٨٨ ؛ والطبري ، ج ٢ ، ص ٦٥.