٦ ـ ومن الامور المهمّة أيضاً : إنّ أيَّ حديث يبعث الملل والسأم مع التكرار عادةً ، إلّا القرآن فإنّه في منتهى الروعة بحيث لو قرىء مئات المرات لاحتفظ بجاذبيته ورونقه ، الأمر الذي يدركه عشاق القرآن وغيرهم بوضوح.
وهذا ما نقرأه جلياً في الحديث المشهور عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام والذي جاء فيه بأنّ رجلاً سأل الإمام الصادق عليهالسلام «ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلّا غضاضة ، فقال : لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة» (١).
ويقول علي عليهالسلام في جملة مختصرة وبليغة أيضاً : «لا تُخلقُه كَثرة الرَدّ وَولوج السمعِ» (٢).
٧ ـ ومن دقائق الفصاحة والبلاغة في القرآن هو تجنب كثرة الألفاظ ومراعاة الاختصار ، مع ما يؤديه من وضوح المعنى وبيان تمامية المقصود ، وهو ما يسمى اصطلاحاً بترك «الايجاز المخل» و «الاطناب الممل».
وقد تمت مراعاة ذلك في آيات القرآن على أحسن وجه ، فنجد أحياناً آية واحدة من القرآن تبين معالم قصة طويلة بحيث إنّ كل جملة منها تتكلم عن مجال واسع من هذه القصة ، ونقف على هذا في أمثلة كثيرة من القرآن ، ومنها الآية المشهورة التي تقول : (وَقِيلَ يَا ارْضُ ابْلَعِى مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِىَ الامْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِىّ وَقِيلَ بُعْدَاً لِّلقُومِ الظَّالِمِينَ). (هود / ٤٤)
نعم هذه هي الآية نفسها التي جثى لها الأديب العربي المعروف (ابن المقفع) على ركبتيه عندما قصد القيام بمعارضة أحد أرباع القرآن حسب الاتفاق الذي عقده مع أصحابه ، وحينما وصل إلى هذه الآية أعرض عن ذلك وأقرّ في نفسه بالضعف والعجز الكامل.
ذلك لأنّها تروي قصة طوفان نوح عليهالسلام باختصار بارع بكل تفاصيلها ونتائجها ، وبعبارات قصيرة وغنية بالمعاني ، وحسب قول أحد المحققين إنّها تشتمل على ٢٣ نكتة من
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ١٧ ، ص ٢١٣.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٦.