والنفس ،] لا كراهة الاختيار. ولا يكون فى كراهة الطباع خطاب ؛ لأن طبع كل أحد ينفر عن القتال والمجاهدة مع العدو ، لا أنهم كرهوا ذلك كراهة الاختيار ؛ لأنه لا يحتمل أن يكون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يؤمرون بالقتال والمجاهدة مع العدو ثم هم يكرهون عما أمروا اختيارا منهم ؛ لأن ذلك دأب أهل النار ، فثبت أنه على ما ذكرنا من نفور كل طبع عن احتمال الشدائد والمشقة وكراهيته.
وقوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ).
يحتمل هذا فى القتال خاصة ، وهو أن يكونوا كرهوا القتال ؛ لما فيه من المشقة والشدة ، (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ؛ لما فيه من الفتوح والظفر وسعة العيش ومنال الثواب والدرجات فى الآخرة.
(وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) يعنى التعود على الجهاد ، (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) ، لما فيه من اجتراء العدو والأسر والقتل والذل والصغار وقطع الثواب فى الآخرة.
ويحتمل هذا فى كل أمر يحب [الرجل] فى الابتداء ويكون عاقبته شرّا له ، ويكره أمرا فيكون عاقبته خيرا له. هذا لجهلنا بعواقب الأمور وخواتيمها ؛ ليعلم أن ليس إلينا من التدبير فى شىء. والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، [أى : ويعلم](١) ما هو خير لكم فى العواقب مما هو شر لكم ، «وأنتم لا تعلمون».
وقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).
معناه ـ والله أعلم ـ : يسألونك عن القتال فى الشهر الحرام وفى المسجد الحرام ، (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ، لو لم يكن من الكفرة ما ذكر من الصد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والكفر به ، وإخراج أهله منه ، لكن إذ فعلوا ذلك ، لم يكن القتال بجنبه كبيرا ، بل الكفر فيه أكبر من القتل. فكأنه ـ والله أعلم ـ ذكر هذه الأحرف وعنى به الكناية عن الكفر ، ثم جعل الكفر أكبر من هذا كله مع المعرفة أن الذى يؤذيه أقل منه. ثم ألزمهم اختيار الأيسر عند البلوى بما بين. والقتال بنفسه كبير ؛ لأن فيه تفانى الخلق ، ولم يخلقوا للفناء.
ثم فيه نقض على المعتزلة بوجهين :
أحدهما : أنه ذكر القتل ، وجعل الكفر أكبر منه ، ولو أوجب القتل التخليد ، ما أوجب الكفر ، لكان فيه التساوى ، ولا يكون الكفر أكبر من القتل فبان أن الكبيرة لا توجب
__________________
(١) سقط فى أ.