التخليد ما أوجب الكفر. والله أعلم.
والثانى : قال : والكفر أكبر منه ، فصيره أكبر ، ثم [لا يخلو أكبره](١) من أن يكون بنفسه ، أو بالكافر ، أو بالله. ولا يحتمل أن يكون بالكافر ؛ لأن فعل الكفر أصغر عنده من فعل الزنى والقتل ؛ لأنه يدين بالكفر ويستحسنه ، ويستقبح ذلك. فبان أنه يكبر بنفسه أو بالله.
فإن قالوا : بنفسه.
قيل لهم : لما جاز أن يكون كبره بغير من ينشئه لما لا جاز خلقه بغير من يفعله ، أو يكون بالله؟ وهو قولنا.
وقوله : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ)
فيه دلالة إثبات رسالة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر أنهم يفعلون كذا ، فكان كما قال : فدل أنه إنما عرف ذلك بالله عزوجل.
وقوله : (إِنِ اسْتَطاعُوا) ، ولكن لا يستطيعون أن يردوكم عن دينكم.
ففيه إياس الكفرة عن رد هؤلاء إلى دينهم ، وأمن هؤلاء عن الرجوع إلى دينهم.
وقيل : (إن) بمعنى (لو) ، أى : لو قدروا أن يردوكم عن دينكم إلى دينهم لفعلوا.
أخبر الله عزوجل عما ودوا (٢) إن استطاعوا ، لكن الله بما أكرمهم وبشرهم من النصر وإظهار الدين لا يستطيعون على ذلك أظهر بقوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣].
وقوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
ذكر إحباط الأعمال ، بالموت على الكفر ، والعمل يحبط بالكفر دون الموت.
والوجه فيه : أنه لا يحتمل أن يكون الموت هو سبب إحباط الأعمال ، بل الكفر بنفسه إذا وجد ؛ إذ الموت لا صنع فيه للعباد ، والكفر فيه لهم اختيار ، لم يجز جعل العمل حبطا بما لا صنع له فيه ، دل أن الكفر هو المحبط ، لا الموت ، ولكن ذكر الموت فى هذا لما فيه تمام الحبط والإبطال ، وما لم يمت ترجى له المنفعة بحسناته ؛ لأنه إذا كفر جحد تلك الحسنات فأبطلها ، فإذا أسلم بعد ذلك ندم على جعل ذلك باطلا ، فصار مقابلا لسيئاته
__________________
(١) فى ط : لأكبره.
(٢) فى ب : ردوا.