فى السؤال لما فى الجواب دليله ، أو لما كان الذين سألوا معروفين يوصل بهم إلى حقيقة ذلك. والله أعلم.
وقيل : هذه الآية تدل على حرمتهما بما قال : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) إلى قوله : (وَالْإِثْمَ) [الأعراف : ٣٣] ، ثبت أن الإثم محرم.
وأكثر السلف على أن الحرمة فيهما ليست بهذه الآية ، ولكن بقوله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) [المائدة : ٩٠].
وقوله : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، يبلغ أمر الخمر (١) والميسر إلى ما يكون فيهما (إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، من نحو ما بين عند السكر والميسر فى سورة المائدة من وقوع العداوة والبغضاء والصد عما ذكر ، (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ) ، فى ذلك الوقت بوجوه :
أما فى الخمر : إلى أن يسكر ، وفى التجارة فيها.
وفى الميسر : لما كان يفرق ما فيه ذلك على الفقراء ، وما فيه من (٢) التجارة ونحو ذلك.
وعلى التأويل الأول يخرج قوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، أى : فى الشرب والعمل إذ حرما ، (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، قبل أن يحرما. والله أعلم.
ثم الذى علينا : أن نعرف حرمتهما اليوم إن كانت فى هذه الآية أو لم تكن ، فينتهى الانتفاع بهما ويحذر ذلك ، وقد بين الله الكافى من ذلك فى سورة المائدة ، وجاءت الآثار فى تحريمهما ، على ما فى الميسر من الخطر والجهالة (٣) التى جاءت الآثار على كون أمثالها فى حكم الربا ، وفى الخمر ما لا يتخذ للمنافع وإنما يتخذ للهو والطرب ، وكل ذلك مما نهينا عنه ، مع ما فى ذلك من ذهاب العقل الذى هو أعز ما فى البشر ، وغلبة السفه فى أهله. فحقيق لمن عقل اتقاه لو كان حلالا ؛ لما فى ذلك من التبذير ، فكيف وقد ظهرت الحرمة.
ثم كان معلوما علة حرمة الخمر إذا سكر منها الشارب ، ثم جاء به القرآن ، وليست تلك العلة فى شرب القليل منه ، فلم يلحق بحق القليل غيرها ، وألحق بالكثير كل شراب يعمل ذلك العمل ، لما فيه المعنى الذى ذكره ، إذ كانت الخمر لا تتخذ فى المتعارف للمصالح ولا لأنواع المنافع ، بل تتخذ لما ذكرت من اللهو والطرب ، ولا يستعمل شربها
__________________
(١) فى ب : الشرب.
(٢) فى ط : على.
(٣) فى ط : الحظر والجهالة ، وفى ب : الخطأ.