إلا المعروفون بالفسق ، فتكون حرمة الخمر بعينها ، لا ما ذكرت من قصد العواقب بها. وكل جوهر لا يتخذ لا يقصد باتخاذ ذلك فهو غير محرم بعينه. والله أعلم.
وقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ).
(الْعَفْوَ) : هو الفضل عن القوت ، وذلك أن أهل الزروع كانوا يتصدقون بما يفضل عن قوت سنة ، وأهل الغلات يتصدقون بما يفضل عن قوت الشهور ، وأهل الحرف والأعمال يتصدقون بما يفضل عن قوت يوم ، ثم نسخ ذلك بما روى عن أنس بن مالك ، رضى الله تعالى عنه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «الزكاة نسخت كل صدقة كانت ، وصوم شهر رمضان نسخ كل صوم كان ، والأضحية نسخت كل دم كان» (١). فإن ثبت هذا فهو ما ذكرنا.
وروى عن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنهما ، قال : كان هذا قبل أن تفرض الصدقة (٢).
دليل ذلك ظهور أموال كثيرة لأهلها فى الصحابة ، رضوان الله تعالى عنهم أجمعين ، إلى يومنا لم يخرجوا من أملاكهم ، ولا تصدقوا بها ، ولا أنكر عليهم ؛ فثبت أن الأمر فى ذلك منسوخ ، أو هو على الأدب.
وقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
وقوله : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
قيل (٣) : أما فى الدنيا : فتعلمون أنها دار بلاء وفناء ، وأما الآخرة : دار جزاء وبقاء ، فتفكرون فتعملون للباقية منهما.
وقال الحسن (٤) : إى ـ والله ـ ومن تفكر فيهما ليعلمن أن الدنيا دار بلاء ، وأن الآخرة دار بقاء.
وعن ابن عباس (٥) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) قال : يعنى فى زوال الدنيا وفنائها ، وإقبال الآخرة وبقائها. بل يعلم بالتفكر أن الدنيا للزوال ، علم أنها هى للتزود لدار القرار ، فيصرف سعيه إلى التقديم ، وجهده فى فكاك
__________________
(١) أخرجه الدارقطنى (٤ / ٢٨١) ، والبيهقى (٩ / ٢٦٢) ، عن عائشة ، وفى إسناده متروك.
(٢) أخرجه ابن جرير (٤١٧٧ ، ٤١٧٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٥٣).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٤١٨٢ ، ٤١٨٤) ، وعن ابن جريج (٤١٨٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٥٦).
(٤) أخرجه عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن الصعق بن حزن عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٥٦).
(٥) أخرجه ابن جرير (٤١٨١) ، انظر الدر المنثور (١ / ٤٥٦).