فدخلت كل كتابية ـ حرة كانت أو أمة ـ [تحت الاستثناء](١) ؛ لأن الاستثناء إذا كان عن جملة الأديان سوى دين الكتابيات لم يحتمل دخول بعض أهل ذلك الدين دون بعض ، والذى يدل عليه قوله تعالى : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، فجعل الأمة المؤمنة خيرا بالنكاح من المشركة ، ومن قوله إنه بالقدرة على طول الحرة الكافرة لا يباح له نكاح الأمة المؤمنة. فبان أن موقع الآية ليس على التناسخ على ما يقوله على أن الإماء يدخلن تحت قوله عزوجل : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ، دليله قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥]. فثبت أنهن قد يتعففن فيستوجبن اسم الإحصان ، وقد جعل شرط الحل هو ذكر الإحصان. وقوله أيضا : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣] ، وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٢٤] ، مستثنيا الإماء من جملة المحصنات ؛ دل أنهن دخلن فى الخطاب. وقد أجمع على أنهن تحل لنا بالسبى ، وكل مذكور فى الكتاب يستوى الحل فيه إلا من جهة العدو. فإذا أبيح لنا تزويج المسبيات منهن كالحرائر ، ثبت أنه محكوم بحكمهن فى النكاح. فبطل قول من أبطل نكاح الإماء ؛ إذ ثبت أن الآية بخلاف ما قال. وبالله التوفيق.
ثم الآية تضمنت أحكاما :
منها : أن من قول أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى أجمعين ـ : أن المناهى بحيث النهى لا توجب الحرمة.
والثانى : أن الآية كيف كان حملها على الخصوص فى بعض أحق والعموم فى بعض ومخرج الخطابين واحد.
والثالث : أن فى الآية ذكر المنع ، لعلة وهى الدعوة إلى النار ، فكيف لم يلزم حفظ ما لأجله وجب الحرمة على وجوده؟ وهذا هو الأصل : أن تحفظ الأحكام المعللة (٢) بالعلل ما دامت توجد العلل.
والرابع : البيان فى تولى النكاح ؛ إذ للأولياء خرج الخطاب بقوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا).
وأما قولنا فى النهى : فإن النهى يوجب الانتهاء ، ولكن لا يوجب الحرمة إلا بدليل يقوم على مراد الحرمة فى النهى ، لما رأينا من المناهى كثيرة لم توجب الحرمة ، فلو كان
__________________
(١) سقط فى أ.
(٢) فى أ : المعلقة.