نفس النهى موجبا ذلك لوجب أن يوجب فى كل ذلك ، فلما لم يوجب ذلك ، دل أن نفسه لا توجب الحرمة ، ولكن الدليل هو الموجب للحرمة.
وأما قولهم وسؤالهم عن الخصوص والعموم : فذلك جائز عندنا ، خروج الآية على العموم يعقل بها الخصوص. وهو كثير فى القرآن مما لا يحتاج إلى ذكره وشرحه ، ومن ذلك قوله عزوجل : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) [المائدة : ١٢] ، عقل إيجاب تعظيم الرسل [والأنبياء والإيمان لهم على العموم ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فى حق البعض دون البعض](١) ، وكذا قوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) [التوبة : ١٢٠] ، فالتخلف غير موجود فى بعض الأحيان ، وإنّ حق النهى عن الرغبة عن نفسه أخذ الجميع ، فعلى ذلك هاهنا يجوز خروجه عامّا يخص بالعقول.
وأما قولهم : وجوب الحكم لعلة ، وهو الدعاء إلى النار ، فله وجهان :
أحدهما : أن الكتابى أقر بكتاب (٢) ، يقدر على إلزام الدين بالدعاء إليه ، ففيه رجاء الإسلام ، وغيرهم من أهل الشرك لا طمع [فيهم](٣) بمثله.
والثانى : أن علة الحظر قوله : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) والزوجات لا يدعون أزواجهن إلى ذلك ، بل الأزواج هم الأصل فى الدعاء ، وهم الأمراء على الزوجات ، والزوجات بين الأتباع للأزواج والمذللات فى أيديهم ؛ لذلك أبيح.
ثم الأصل : أن النكاح جعل لأمرين : إما لإبقاء النسل ، وإما للتحصن والتعفف عن السفاح. ثم قد ينكح من لا نسل فيه ، فما بقى إلا وجه المنع عن السفاح. ثم الدعاء إلى النار أعظم من السفاح ، بهذا لم يبح النكاح.
ثم الدلالة على تخصيصها على وجهين :
أحدهما : قول الخصوم بالنسخ : أنه ورد على بعض دون بعض ، وما ذلك إلا الخصوص.
والثانى : أن ذكر ذلك فى الكتابيات لم يجر بحيث إظهار ما يحل وما يحرم ، إذ شرط نكاحهن إنما هو عند العجز عن الحرائر ، فجرى الذكر فيهن ، إذ هن الأصل فى عقود النكاح ، وأن الإماء دخيلات فى حق النكاح ، وإنما جرى الذكر فى حلهن بملك اليمين ؛
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين فى أ : والأنبياء الكل وبعضها للخاص.
(٢) فى ط : بالكتاب.
(٣) سقط فى ط.