لذلك ترك ذكرهن مع ما يجوز دخول الإماء فى قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : ٥] ؛ لما أوجب لهن العفة والتحصن بقوله : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] ، وبقوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥].
وأما قولهم : خاطب الأولياء فى النهى بقوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ، وخاطب الأولياء أيضا فى الأمر بإنكاح الأيامى بقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) فدل أن الولى شرط فى جواز النكاح.
فجوابنا : أنه إنما خاطب الأولياء فى النهى عن النكاح ، وفى الأمر بالنكاح ، لما العرف فى الأمة ألّا يتولى النساء [النكاح](١) بأنفسهن ، بل الأولياء هم الذين يتولون عليهن النكاح برضائهن وأمرهن وتدبيرهن ؛ لذلك خرج الخطاب للأولياء مع ما ليس فى تخصيص [الأولياء](٢) بالخطاب دليل إخراج النساء عن ولاية النكاح. ألا ترى أنه ذكر فى الآية (الصلاح) بقوله : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) لم يصر ذلك شرطا فى الجواز ، فعلى ذلك الأولى. وهذا يدل أيضا على أن ليس فى تخصيص المحصنات من الكتابيات حظر نكاح الإماء منهن.
والثانى : أن قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) ، يحتمل أن يكون فى الصغار خاصة ، نهى الأولياء عن تزويج الصغار من المسلمين المشركات من غير الكتابيات. فإذا كان محتملا ما ذكرنا ، لم يكن لمخالفنا الاحتجاج به علينا فى إبطال نكاح المرأة نفسها دون وليها. والله أعلم.
وقوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ).
اختلف فى تأويله :
قال قوم (٣) : هو فى غير الكتابيات ، يبين ذلك قوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] ، فنسق الكتابيات بالإحلال على ما لم يختلف فيه أحوال الحل من أول الإسلام إلى الأبد ولا من قبل ذلك نحو الطيبات من الطعام ـ من طعام المؤمنين
__________________
(١) سقط فى أ.
(٢) سقط فى ط.
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٤٢٢٠ ، ٤٢٢١ ، ٤٢٢٢) ، وعن سعيد بن جبير (٤٢٢٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٥٨).