وأهل الكتاب ونحو المحصنات من المؤمنات ، فمثله الكتابيات ، إذ نسق (١) نكاحهن على من ذكر. ولو كان التأويل هذا ، كانت الآية نطقت بألا تنكحوا المشركات غير الكتابيات ؛ فلا يكون فى الآية تحريم الإماء من أهل الكتاب ، ولا النهى عن ذلك ، وإنما يعرف إن كان يجوز أو لا ، بدليل آخر سوى هذه الآية.
فإن قيل : على ذلك لم لا كانت آية الإحلال فى التخصيص بذكر المحصنات دليلا على حرمة نكاح الإماء؟
قيل : يكون الجواب لأوجه :
أحدها : أن ذكر الحل فى حال لا يدل على الحرمة فى غيرها. كذلك ذكر الحل فى صنف لا يدل على حرمة فى غيره. ولو كان ذا يدل ، لكان يجىء أن يكون حكم ما لا يرد فيه السمع مخالفا لما يرد فيه. وذلك فاسد ؛ إذ السمع هو دليل الحكم فيما لا سمع فيه بالمعنى الذى ضمن فيه. والله أعلم. وأيد ذلك قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [المائدة : ٥] ، ثم هن يحللن وإن لم يؤتين أجورهن ؛ فمثله الأول.
والثانى : أنه منسوق (٢) على مثله فى المؤمنات. ثم لم يكن ذلك فى المؤمنات على تحريم الإماء ؛ فمثله فى الكتابيات.
فإن قيل : لما بين فى إماء المؤمنات؟
قيل لهم : لم يزعم أحد أن ذلك على نسخ هذه الآية ؛ فثبت أنه ليس فى الذكر فى المحصنات تحريم الغير ؛ فكذلك فى المنسوق على ذلك مع ما لو كان فى مثل هذا الاستدلال على الحرمة ، لكان فى قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) ؛ إذ وقع على غير الكتابيات ـ دليل على الإحلال ، فيكون ذكر الحرمة فى نوع دليل الحل فى غيره على مثل ذكر الحل فى نوع. وفى ذلك تناقض الأدلة. والله أعلم.
ووجه آخر : أن (وَالْمُحْصَناتُ) ، يحتمل أن يريد به العفائف ، وأهل الصلاح ، والإماء قد يستحققن هذا الاسم ، كقوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) وقوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥] وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء : ٢٤] وإذا استحققن الاسم فهن فى الآية حتى يظهر الإخراج. والله
__________________
(١) فى ط : يسبق.
(٢) فى ط : مسوق.