وأما عندنا : فإنها تبين إذا مضت أربعة أشهر ؛ لما روى عن سبعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو ثمانية ، أنهم قالوا : إذا مضت أربعة أشهر بانت منه ، من نحو : عمر وعلى وابن مسعود وعثمان وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت (١) ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فاتبعناهم.
ثم اختلف فى الطلاق إذا وقع :
قال قوم : هو رجعى. وهو قول أهل المدينة. فهو على قولهم ؛ تعنّت (٢) ؛ لأن الزوج يقدم إلى الحاكم ، فيطلق عليه الحاكم ، ثم كان له حق المراجعة ، فيكلف (٣) الحاكم العنت.
وأما عندنا : فهو بائن. وعلى ذلك جاءت الأخبار ، روى عن ابن عباس (٤) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : إذا مضت أربعة الأشهر فهى تطليقة بائنة. وعن ابن مسعود (٥) ـ رضى الله تعالى عنه ـ مثله. وروى عن أبى بن كعب (٦) ـ رضى الله تعالى عنه ـ فى قوله : «فإن فاءوا» أى فيهن يعنى فى الأربعة الأشهر ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فثبت أنه جعل الرحمة والمغفرة فيها.
والثانى : قوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ولو لم يجعل له القربان والنقض فى المدة لكان لا سبيل له إلى نقضها بعد مضى المدة ؛ إذ هى تتأكد ؛ فثبت أنه لا بما اعتبروا يلزم.
ثم قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يحتمل وجهين :
يحتمل : بما جعل له الخروج مما ضيق على نفسه ؛ لأنه لا تطول عليه المدة.
ويحتمل : أن المغفرة كانت بما ارتكب ما إذا مضى عليه وجد ذاته مستحقّا للعقوبة ، فغفر له صنيعه ، ورحمه بأن يجاوز عنه ما فعل.
وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) :
روى عن ابن عباس (٧) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : عزيمة الطلاق مضىّ أربعة
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٦).
(٢) فى ب : لغت.
(٣) فى أ ، ب : فيكلفون.
(٤) تقدم.
(٥) تقدم.
(٦) أخرجه أبو عبيد فى فضائله وابن المنذر كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).
(٧) أخرجه ابن جرير من (٤٥٧٨) إلى (٤٥٨٤) ، وعبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور ـ