بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
تكلموا فيه بأوجه :
قيل (١) : إنه منسوخ بما بين عزوجل فى آية أخرى من حق الميراث.
ومنهم من قال : لم ينسخ.
ثم قيل : فيه بوجهين :
قيل : إنه قد كان ذلك ؛ لأن الناس كانوا حديثى عهد فى الإسلام ، يسلم الرجل ولا يسلم أبواه. فقوله : (كُتِبَ) إنما وقع على من كان لا يرث.
ومنهم من يقول : بأنها كانت للوارث ولم ينسخ ، وإنما يقع الأمر فى غير من يرث ممن ذكر. لكن فى ذلك ذكر (كتب) ، وذلك إيجاب.
ولا يحتمل أن يفرض عليهم صلتهم مع التحذير عن اتخاذهم أولياء بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) [التوبة : ٢٢٣] ، وقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : ٢٢] ، وفى إلزام الفرضية من حيث المعروف إبقاء الموالاة وإلزام المحبة ، وقد حذر وجود ذلك ؛ فثبت أن الآية فيمن يتوارثون اليوم لكنها نسخت. والله أعلم.
ومنهم من يقول : لا ، ولكنه وقع على من كان يرث وعلى من كان لا يرث بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) ، فهو كان مكتوبا عليهم مفروضا فى حق الوصاية.
ثم من رأى نسخه استدل بقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [النساء : ١١] ، ذكر فيه الوصاية على بيان كل ذى حق حقه. فليس الذى أوصى الله يمنع وصايته التى كتب عليهم. لكن فى الآية دليل لم ينسخ بهذه لوجهين :
أحدهما : قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ). فهو وصيته ذكره كذكر الوصاية فى الأول ، ففيه جعل حق كالحق المجعول لهم إذا لم يذكر ذلك الوصية مع الميراث ثم نفاه.
والوجه الآخر : أنه قال : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) [النساء : ١٢] ، فجعل حكم الإرث على ذكر الوصية ، والإرث بعد الوصية ؛ فبان أن لها حكم البقاء.
ثم قيل : فيه بوجهين :
قال قائلون : قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [النساء : ١١] ، لم يكن ميراثا ، ولا هو
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٥٩ ، ٢٦٦٠) ، وعن ابن عمر (٢٦٦١) ، وعكرمة ، والحسن البصرى (٢٦٦٢) ، وغيرهم ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣١٩).