من أهل الميراث. فحدوث الإرث لا يمنع حق القطع عنه بالمكتوب الأول.
ومنهم من جعل ذلك فيمن كان وارثا. فورود البيان من بعد يقطع عنه المكتوب له.
ثم من الناس من ادعى نسخ هذا بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) [النساء : ٧] ، ولو جعل الوصية له ما جعل الله لهم فيه من النصيب خص به الكثير دون القليل ؛ فثبت أن ذلك (الكتاب) رفع عنهم مما جعل لهم الحق فى الذى قل أو كثر.
ثم الوجه فيه عندنا : فهو أنه إن لم يكن نسخ بهذه الآيات ، على ما قاله بعض الناس ، فهو منسوخ بقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله أعطى كل ذى حق حقه ، فلا وصية لوارث». فبين أنه قد كان أعطى ذا حق حقه على رفع ما كانت لهم من الوصاية فيه.
ثم اختلفوا فى الخبر الذى روى : «إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذى حق حقه ، فلا وصية لوارث».
قال قائلون : فلا يجوز ورود النسخ على الآية ؛ إذ السنة لا ترد على نسخ الكتاب.
وقال آخرون : لا ، ولكنه من أخبار الآحاد. وأخبار الآحاد ، على قولكم ، لا ترد على نسخ خبر مثله ، فكيف على كتاب رب العالمين؟
فأما الأول ـ فى أن السنة لا تعمل فى نسخ الكتاب ـ : فقد سبق القول فيه ، أن الذى حملهم على هذا هو جهلهم بموقع النسخ ، وإلا لو علموه ما أنكروه. وهو ما قلنا : إن النسخ بيان منتهى الحكم إلى الوقت المجعول (١) له.
فأما من قال : بأنه من أخبار الآحاد ، فإن الأصل فى هذا أن يقال : إنه من حيث الرواية من الآحاد ، ومن حيث علم العمل به متواتر.
ومن أصلنا : أن المتواتر بالعمل هو أرفع خبر يعمل ، إذ المتواتر المتعارف قرنا بقرن مما عمل الناس به لم يعملوا به ، إلا لظهوره ، وظهوره يغنى الناس عن روايته ، لما علموا خلوه عن الخفاء.
ولهذا يقول فى الخبر الذى جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنه نهى عن كل ذى ناب من السباع» (٢) ، فترد به الخبر المروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه من أخبار الآحاد. هو من حيث
__________________
(١) فى أ ، ط : المجعولة.
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٤٣) كتاب : الصيد والذبائح ، باب : تحريم أكل كل ذى ناب ، حديث (١٦ / ١٩٣٤) ، وأبو داود (٢ / ٣٨٣) كتاب : الأطعمة ، باب : النهى عن أكل السباع ، حديث (٣٨٠٣) ، والدارمى (٢ / ٨٥) كتاب : الأضاحى ، باب : ما لا يؤكل من السباع ، وأحمد (١ / ٢٤٤ ، ٢٨٩ ، ـ