قال قوم : يحرم. ورووا فى ذلك أحاديث.
وقال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ : لا يحرم. وذهبوا فى ذلك إلى الآثار رويت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه عليهالسلام سئل عن الرضاع ، فقال : «ما أنبت اللحم وأنشز العظم» (١) ، وفى بعضها عنه : «لا رضاع بعد حلم ، ولارضاع بعد فصال» (٢). وروى عن على بن أبى طالب وابن عباس (٣) ، رضى الله تعالى عنهم ، أنهما قالا : لا رضاع بعد الحولين. وعن على وابن مسعود (٤) ، رضى الله تعالى عنهما ، أنهما قالا : لا رضاع بعد الفطام أو الفصال ، الشك منا. وروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى بعض الأخبار : أنه دخل على عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، فرأى معها رجلا ، فرأت عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، الكراهة فى وجهه ، فقالت : «إنه أخى من الرضاعة أو عمى» ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انظرن من إخوانكن ، ما الرضاعة؟ إنما الرضاعة من المجاعة» (٥).
__________________
ـ امرأة أبى حذيفة قالت : يا رسول الله ، إن سالما يدخل على وهو رجل ، وفى نفس أبى حذيفة منه شىء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرضعيه حتى يدخل عليك» ، وفى رواية لمالك فى الموطأ قال : «أرضعيه خمس رضعات» ؛ فكان بمنزلة ولده من الرضاعة. وهذا الحديث أخذت به عائشة ، وأبى غيرها من أزواج النبى صلىاللهعليهوسلم أن يأخذن به ، مع أن عائشة روت عنه صلىاللهعليهوسلم قال : «الرضاعة من المجاعة» ، لكنها رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة أو تغذية : فمتى كان المقصود الثانى لم يحرم إلا ما كان قبل الفطام ، وهذا هو إرضاع عامة الناس. وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم. وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها ، وهذا قول متوجه. وقال : رضاع الكبير تنتشر به الحرمة فى حق الدخول والخلوة إذا كان قد تربى فى البيت بحيث لا يحتشمون منه للحاجة ، وهو مذهب عائشة وعطاء والليث.
وقال المالكية : يشترط فى التحريم أن يرتضع فى حولين أو بزيادة شهر أو شهرين ، وألا يفطم قبل انتهاء الحولين فطاما يستغنى فيه بالطعام عن اللبن ، فإن فطم واستغنى بالطعام عن اللبن ثم رضع فى الحولين فلا يحرّم. وقال أبو حنيفة : مدة الرضاع المحرم حولان ونصف ولا يحرم بعد هذه المدة ، سواء أفطم فى أثناء المدة أم لم يفطم ، واحتج بقوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) قال : فأثبت سبحانه الحرمة بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الرضاع ، إلا أنه قام الدليل على أن زمان ما بعد الحولين والنصف ليس بمراد ؛ فيعمل بإطلاقه فيما وراءه. واستدلوا بقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) أى : ومدة كل منهما ثلاثون شهرا.
ينظر : بدائع الصنائع (٤ / ٦) ، وابن عابدين (٢ / ٤٠٣) ، والمغنى (٧ / ٥٤٢) ، وكشاف القناع (٥ / ٤٤٥) ، ونهاية المحتاج (٧ / ١٦٦ ، ١٧٥).
(١) أخرجه أحمد (١ / ٤٣٢) ، وأبو داود (١ / ٦٢٧) ، كتاب النكاح باب فى رضاعة الكبير (٢٠٥٩ ، ٢٠٦٠) ، والبيهقى (٧ / ٤٦١).
(٢) أخرجه الطيالسى ، والبيهقى وعبد الرزاق وابن عدى من طرق عن جابر كما فى الدر المنثور (١ / ٥١٣).
(٣) أخرجه ابن جرير (٤٩٦٥ ، ٤٩٦٦ ، ٤٩٦٧) ، وأخرجه عنه وعن ابن عمر (٤٩٥٩ ، ٤٩٦٠).
(٤) أخرجه ابن جرير (٤٩٦١ ، ٤٩٦٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥١٣).
(٥) أخرجه البخارى (٩ / ١٤٦) كتاب : النكاح ، باب : من قال : لا رضاع بعد حولين ، حديث ـ