يحتمل (لِمَنْ أَرادَ) أن يزيد حتى يتم ، أو (لِمَنْ أَرادَ) أن يقتصر على التمام ، على أن الآية ليست فى حق الحرمة ، لكنها فى حق الفعل ؛ إذ قد يجب الحرمة لا بحولين.
وروى عن ابن عباس (١) ، رضى الله تعالى عنهما ، فى تأويل قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] ، وقوله : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) [لقمان : ١٤] ، قال : إن كان الحمل ستة أشهر ، ففصاله فى عامين ، وإن كان الحمل تسعة أشهر ، فيقدر الباقى ؛ فدل هذا على أن (الحولين) ليسا بشرط فى الفطام ، ولا وقت له ، لا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان. والله أعلم.
وقد ذكرنا أن قوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، يحتمل وجهين :
قيل : إنه فى المطلقة ، وقيل : إنه فى المنكوحة. وقد دللنا على أنه فى المنكوحة. والله أعلم.
وقوله : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها).
قال قوم : قوله : (إِلَّا وُسْعَها) ، إلا ما يسع ويحل. لكن هذا لو كان على ما ذكر لكان بالأمر يحل ويسع ، فكان كأنه قال : لا نكلف إلا ما نكلف. وذلك لا يكون.
وقال قوم (٢) : (إِلَّا وُسْعَها) ، يعنى : طاقتها وقدرتها. وهذا أشبه ، ومعناه : لا يكلف الزوج بالإنفاق عليهما والكسوة إلا ما يحتمل ملكه وإن كانت حاجاتها (٣) تفضل عما يحتمله ملكه ، لم يفرض عليه إلا ما احتمله ملكه ـ والله أعلم ـ كقوله : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧].
ثم اختلف فى تحريم الرضاع فى حال الكبير (٤) :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٤٩٥٣) ، وسعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقى فى سننه (١ / ٥١٢).
(٢) قاله سفيان أخرجه ابن جرير عنه (٤٩٧٦).
(٣) فى أ ، ب : حاجتهم.
(٤) لا خلاف بين الفقهاء فى أن ارتضاع الطفل وهو دون الحولين يؤثر فى التحريم ؛ فقد قال الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد ـ وهو الأصح المفتى به عند الحنفية ـ : إن مدة الرضاع المؤثر فى التحريم حولان ؛ فلا يحرم بعد حولين. واستدلوا بقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) وقالوا : جعل الله الحولين الكاملين تمام الرضاعة ، وليس وراء تمام الرضاعة شىء. وقال عزّ من قائل : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) وقال : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وأقل الحمل ستة أشهر فتبقى مدة الفصال حولين ، ولحديث : «لا رضاع إلا ما كان فى الحولين» ، ولحديث أم سلمة مرفوعا : «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء فى الثدى وكان قبل الفطام».
وقال ابن تيمية : وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن إرضاع الكبير يحرّم. واحتجوا بما فى صحيح مسلم وغيره عن زينب بنت أم سلمة أن أم سلمة قالت لعائشة : إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذى ما أحب أن يدخل علىّ ، فقالت عائشة : أما لك فى رسول الله أسوة حسنة؟ قالت : إن ـ