ثم إن الزوجين يحكمان عن أنفسهما برضاع ولدهما لذلك يحتج (١) إلى نظير غيرهما ، ولا إلى رأى آخر ، لما لا يجوز أن يعدم شفقتهما جميعا عن ولدهما. وأما إذا كان الحكم لغيرهما أو على غيرهما فلا بد من أن يحكم غيره ، دليله : قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة : ٩٥] ، وكقوله : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) [النساء : ٣٥] ، فهذا الحكم على غيرهما ؛ ولذلك احتيج إلى غيرهما ؛ وذلك الزوجان يحكمان على أنفسهما وينظران لولدهما ؛ لذلك افترقا. والله أعلم.
و (الجناح) و (الحرج) واحد : وهو الضيق ، ومعناه : أى لا ضيق ولا تبعة عليهما ، ولا إثم إذا أرادا فطامه بدون الحولين.
وقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ).
فيه دلالة جواز الرضاع بعد الحولين وحرمته ؛ لأنه ذكر فى قوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) بتراضيهما بدون الحولين.
[ثم قوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) يصير استرضاعا بعد الحولين](٢)
إذ ذكر الرضاع فى الحولين بقوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، وذكر الفصال بدون الحولين بقوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ) فحصل قوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) بعد الحولين. وهذا يدل لقول أبى حنيفة ، رضى الله تعالى عنه ، ويقوى مذهبه.
ويحتمل : أن تكون الآية فى جواز استرضاع غير الأمهات إذا أبت الأم رضاعه ؛ وهو كقوله : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) [الطلاق : ٦].
وقوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ) ، يعنى إذا سلمتم الأمر لله تعالى ، (ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ، أى قبلتم ، ليس هو على الإيتاء ، ولكن على القبول ، دليل ذلك قوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] [ليس هو الإيتاء نفسه ، ولكنه على القبول كأنه قال : فإن تابوا وقبلوا إقامة الصلاة وعهدوا إيتاء الزكاة فخلوا سبيلهم ،](٣) فعلى ذلك الأول.
و (آتَيْتُمْ) أى قبلتم إيتاء ما عهدوا وهو الأجر.
وقد يكون (ما آتَيْتُمْ) ، أى : عقدتم عقد الإيتاء ؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والعطية عقدتم
__________________
(١) فى أ : يجتمع.
(٢) سقط فى ط.
(٣) سقط فى ط.