فإن قال لنا قائل : إن الكتاب ذكر المتعة للمطلقة قبل المماسة إذا لم يفرض لها فرض ، وذكر أنه فى نصف المفروض إذا طلقها قبل المماسة ، وأنتم أوجبتم كل المسمى وكل مهر المثل إذا خلا بها ولم يمسسها.
قيل له : فى الآية بيان وجوب المتعة فى حال وبيان وجوب نصف المهر فى حال ، وليس فى بيان وجوب النصف نفى وجوب الكل ؛ لأنه إذا قيل : «لفلان نصف هذا الشىء» ، ليس فيه دليل أن النصف الآخر ليس له ، فإذا كان ما ذكرنا ليس لمخالفنا الاحتجاج علينا بظاهر الكتاب ، ولا السنة إلى مخالفة الآية ، فصار معرفة ذلك بتدبير آخر من جهة الكتاب ، مع ما أنه لا يوجب المهر كله لعين المسيس ، فكانا ـ نحن وهو ـ اتفقنا جميعا على إيجابه لا بالكتاب. والله أعلم.
وإن شئت قلت : إن الخلوة لا توجب كمال الصداق ، وإنما يوجبه صحة العقد. دليله : مطالبة المرأة الزوج بكماله بعد صحة النكاح ؛ فدل أن وجوبه لا بالخلوة ، ولكن بصحة العقد ، فالكلام إنما وقع فى إسقاط البعض ، فيسقط إذا قام دليل الإسقاط. والله أعلم.
وإن شئت قلت : إن المرأة لا تملك سوى تسليم نفسها إليه ، فالعقد إنما وقع على ما يقدر على تسليمه إليه ، ليس على ما لا تقدر ؛ لأنها لا تقدر على تسليم الاستمتاع إليه ؛ إذ لو كان العقد واقعا على ذلك لكان يبطل ؛ لأن من باع ما لا يقدر على تسليمه إلى المشترى لبطل العقد بأصله ، فعلى ذلك عقد النكاح إذا جعل واقعا على تسليم الاستمتاع إليه كان باطلا كالبيع للمعنى الذى وصفناه. والله أعلم.
ثم اختلف فى المرأة التى مات عنها زوجها ولم يدخل بها ولا فرض لها مهرا :
روى عن عبد الله بن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : لها مهر مثلها ، وروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنه قضى لبروع بنت واشق بمهر مثلها» (١).
وروى عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه (٢) ، أنه قال : لها المتعة بكتاب الله تعالى. وقال : لا ندع كتاب الله بقول أعرابى. ذهب ـ والله أعلم ـ إلى أن الكتاب ذكر المتعة فى الطلاق ، ثم كان ذلك الحكم فى غير الطلاق كهو فى الطلاق ؛ فعلى ذلك الفرقة التى وقعت بالموت توجب المتعة كوجوبها فى الفرقة الواقعة فى غير الطلاق ، كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، ذكر (المطلقات) ، ثم
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٥٢٢).