يقطع ولا يصل ؛ إذ لو حمل ذلك على ما يقولون هم لخرج فعله فعل من يجهل العواقب.
فإن قيل : فلم يلام القاتل إذا قتل غيره بغير حق؟
قيل له : لأنه كتب أجل المقتول بقتل هو معصية بما علم الله أنه ينقضى به. وكتاب الآجال هو بيان النهايات والأعمار.
وقوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قد ذكرناه متضمنا فيما تقدم.
وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
عامل الله تعالى بلطفه وكرمه الخلق معاملة من لا حق له فى أموالهم ، لا كمعاملة العباد بعضهم بعضا ، وإن كان العبيد وأموالهم كلهم له حيث طلب منهم الإقراض لبعضهم من بعض ثم وعد لهم الثواب على ذلك فقال : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً). ثم لما سمع اليهود ذلك قالوا : إن إله محمد فقير ، وهو قوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١]. ومرة قالوا لما رأوا الشدة على بعض الناس فقالوا : إنما يفعل ذلك ببخله حيث قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤]. فرأوا المنع إما للبخل وإما للفقر. فأكذبهم الله فى قولهم ذلك فقال : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ).
قيل : (يَقْبِضُ) ، أى يقتر ، و (وَيَبْصُطُ) ، أى يوسع.
وقيل : (يَقْبِضُ) ما أعطى ، أى يأخذ. و (وَيَبْصُطُ) ويترك ما أعطى ، ولا يأخذ منه شيئا.
وقيل (١) : إنها نزلت فى أبى الدحداح (٢) ؛ وذلك أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «من تصدق بصدقة فله مثلها فى الجنة. فقال أبو الدحداح : إن تصدقت بحديقتى ، فلى مثلها فى الجنة؟ فقال : نعم. وقال : وأم الدحداح معى؟ قال : نعم. وقال : والصبية معى؟ قال : نعم. فرجع أبو الدحداح فوجد أم الدحداح والصبية فيها ، فقام على باب الحديقة ، فنادى : يا أم الدحداح إنى جعلت حديقتى هذه صدقة ، واشترطت مثيلتها فى الجنة ، وأم الدحداح
__________________
(١) أخرجه سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير (٥٦٢٣) ، وابن المنذر وابن أبى حاتم والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول والطبرانى والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود كما فى الدر المنثور (١ / ٥٥٥).
(٢) أبو الدحداح الأنصارى : حليف لهم. قال أبو عمر : لم أقف على اسمه ولا نسبه ، أكثر من أنه من الأنصار ، حليف لهم ، وقال البغوى : أبو الدحداح الأنصارى ولم يزد. ينظر : الإصابة (٧ / ١٠٠) (٩٨٦٧).