منهم ، فحق مثله الفرار إلى الله ، لا إلى غيره. وأما انكسار الحائط فليس لأمر سبق منه ، فجائز أن يأخذ منه حذره. هذا هو الفرق بينهما. والله تعالى أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : ويجوز أن يكون فعله صلىاللهعليهوسلم ليعلم أن مثله من الخوف لا يعد نقصانا فى الدين ؛ وذلك كالعدة تتخذ للحرب والأغذية للبدن ، لا على ظن بالله أنه لا يملك الحياة دونها أو قهر العدو ، ولكن على التأهب والائتمار ؛ إذ قد جعل الذى خيف فيه والذى رجى. والله تعالى أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ، حين أحياهم بعد ما أماتهم ، وذلك فضل منه. و (لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ، بكل نعمة أنعمها عليهم ، يستحق الشكر من الخلق بذلك.
هذه الآية على المعتزلة إذ قالوا : ليس لله أن يفعل بخلقه إلا الأصلح لهم فى الدين ، ولو فعل غير ذلك كان جائزا. فإذا كان هذا عليه ، فأنى يكون الأفضل (١)؟ وإنما يقال (ذو فضل) ، و (ذو من) (٢) ، إذا أعطى ما ليس عليه. وأما من أعطى ما كان عليه لا يقال : إنه (تفضل) أو (من) ، كمن يقضى دينا عليه لآخر لا يستوجب الشكر بذلك ، لأنه قضى ما كان عليه قضاؤه ؛ فكذلك الله تعالى إذا أخبر أنه (ذو فضل) و (ذو من) لم يكن ذلك عليه ، فاستوجب الشكر على الخلق بذلك. وبالله التوفيق.
ثم الكلام فى أن أولئك ماتوا بآجالهم ، أو لا بآجالهم؟
قالت المعتزلة : لم تكن آجالهم. ومن قولهم : أن لكل أحد أجلين : إن قتل فأجله كذا ، وإن مات فكذا.
قيل : ذلك تأجيل من لا يعلم أنه يقتل أو يموت ، فإذا علم الله أنه يموت لم يكتب له أجل القتل. وكذلك ما روى فى الخبر : «أن صلة الرحم تزيد فى العمر» (٣). إذا كان فى علم الله تعالى فى الأول (٤) أنه يصل الرحم فكتب عمره أزيد ممن يعلم فى الأول (٥) أنه
__________________
(١) فى أ : الإفضال.
(٢) فى أ : منة.
(٣) أخرجه القضاعى فى «مسند الشهاب» (١٠٠) من حديث ابن مسعود.
قال الحافظ فى «التلخيص» (٣ / ١١٥) : وفى إسناده من لا يعرف والحديث ذكره السيوطى فى «الجامع الصغير» (٥٠٠٢) ورمز لحسنه.
وتعقبه المناوى فى «فيض القدير» (٤ / ١٩٦) بكلام ابن حجر المتقدم.
(٤) فى أ : الأزل.
(٥) فى أ : الأزل.