وقال بعضهم : نزلت فى المجوس ، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، أنه يقبل منهم الجزية ، ولا يكرهون على الإسلام. ليس كمشركى العرب ألا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، ولا يقبل منهم الجزية ، فإن أسلموا وإلا قتلوا. وعلى ذلك روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه كتب إلى المنذر بن فلان (١) : «أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وأما أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية» (٢). وعلى ذلك نطق به الكتاب (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦].
وقال قوم : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) أى : لا دين يقبل بإكراه ، بل ليس ذلك بإيمان.
والثانى : أن (الرُّشْدُ) قد تبين من الغى ، وبين ذلك لكل أحد حتى إذا قبل الدين قبل عن بيان وظهور ، لا عن إكراه.
وقال آخرون : قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، أى : لا إكراه على هذه الطاعات بعد الإسلام ؛ لأن الله تعالى حبب هذه الطاعات فى قلوب المؤمنين فلا يكرهون على ذلك.
ومعناه : أن فى الأمم المتقدمة الشدائد والمشقة ، ورفع الله عزوجل تلك الشدائد عن هذه الأمة وخففها (٣) عليهم ، دليله قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) [البقرة : ٢٨٦] ، وقوله : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأنعام : ١٥٧] ، ومثل ذلك كثير ، كانت على الأمم السالفة ثقيلة وعلى هذه الأمة مخففة ، فإذا كانت مخففة عليهم لا يكرهون على ذلك.
وقال آخرون : هو منسوخ بقوله عليهالسلام : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله» (٤).
__________________
(١) هو : المنذر بن حرملة الطائى القحطانى ، أبو زبيد : شاعر نديم معمر ، من نصارى طيئ. عاش زمنا فى الجاهلية ، وكان يزور الملوك ولا سيما ملوك العجم لعلمه بسيرهم. وأدرك الإسلام ولم يسلم. وكان يدخل مكة متنكرا. واستعمله عمر على صدقات قومه. قال البغدادى : ولم يستعمل نصرانيّا غيره. وكانت إقامته على الأكثر عند أخواله بنى تغلب بالجزيرة الفراتية. وانقطع إلى منادمة الوليد ابن عقبة أيام ولايته الكوفة ، فى عهد عثمان. وكان يفد على عثمان فيقربه ويدنى مجلسه ، لاطلاعه على أخبار من أدركهم من ملوك العرب والعجم. ومات بالكوفة أو فى باديتها ، فى زمن معاوية وقيل : دفن على البليخ إلى جانب قبر الوليد بن عقبة. توفى نحو سنة ٦٢ ه.
ينظر : خزانة الأدب للبغدادى (٢ / ١٥٥) ، والشعر والشعراء (١٠١) ، تهذيب ابن عساكر (٤ / ١٠٨) ، الأعلام (٧ / ٢٩٣ ، ٢٩٤).
(٢) انظر نصب الراية للزيلعى (٤ / ٤٢٠).
(٣) فى أ : حفظها.
(٤) تقدم.