محاجة إلا عن ملك ؛ دل أنه هو الذى كان الملك.
والثالث : قال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ثم قيل (١) : إنه جاء برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر. فلو لم يكن ملكا لم يتأت له ذلك بين يدى إبراهيم ، إذا كان إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، هو الذى (آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ، فدل أن المراد به ذلك الكافر.
ثم (الملك) يكون فى الخلق بأحد أمرين : إما الفضل والشرف والعز والسلطان والدين ، وإما من جهة الأموال والطول عليها والقهر والغلبة. فإن لم يكن له (الملك) من جهة الأول لكان له ذلك بفضول الأموال ؛ لذلك كان ما ذكرنا. والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : أعطى (الملك) ليمتحن به ، كما يعطى الغنى والصحة ليمتحن بهما.
وقوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
وكان هذا من إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والله أعلم ـ عن سؤال سبق منه أن قال له ذلك الكافر : من ربك الذى تدعونى إليه؟ فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وإلا لا يحتمل ابتداء الكلام بهذا على غير سبق سؤال كان منه. وهو ما ذكر فى قصة فرعون حيث دعاه موسى إلى الإيمان بربه ، (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) [طه] ، فعلى ذلك الأول.
وقوله تعالى : (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).
أنه دعا برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر ، على ما قيل فى القصة.
(قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).
قال بعض الجدليين : هذا من إبراهيم ، عليهالسلام ، صرف المحاجة إلى غير ما كان ابتداؤها ، ومثله فى الظاهر انقطاع وحيد عن الجواب [؛ لأن من حاج آخر شيئا ، وناظره فيه لعلة ضمن وفاء تلك العلة وإتمامها إلى آخره ، فإذا اشتغل بغيرها كان منه انقطاع عما ضمن وفاءها ؛ فإبراهيم اشتغل بغيرها وترك الأول وهو فى الظاهر انقطاع ؛](٢) لأن جوابه أن يقول : أنا أفعل كما فعلت ، أو أن يقول له : إن هذا الحى كان حيّا ، ولكن أحي هذا الميت.
لكنه ، صلوات الله عليه وسلامه ، فعل هذا ليظهر عجزه على الناس ؛ لأن ذلك كان منه تمويها وتلبيسا على قومه أخذ به قلوبهم ، فأراد إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، أن
__________________
(١) قاله الربيع ومجاهد وابن إسحاق ، أخرجه ابن جرير عنهم (٥٨٧٨ ، ٥٨٨٠ ، ٥٨٨١).
(٢) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.